كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

* شَيْطَانٌ يَكْتَشِفُ المُعَاهَدَةَ:
قَالَ كعبُ بنُ مَالِكٍ -رضي اللَّه عنه-: فَلَمَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، صَرَخَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ العَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعتُهُ قَطُّ: يَا أَهْلَ الجَبَاجِبِ -وَالجَبَاجِبُ: المَنَازِلُ- هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ (¬1) وَالصُّبَاةُ (¬2) مَعَهُ؟ قَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَذَا أَزَبُّ (¬3) العَقَبَةِ، هَذَا ابنُ أَزْيَبَ، اسْمَعْ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَفْرَغَنَّ لَكَ".

* صِدْقُ الأَنْصَارِ -رضي اللَّه عنهم- فِي بَيْعَتِهِمْ:
فَقَالَ العَبَّاسُ بنُ عُبَادَةَ بنَ نَضْلَةَ -رضي اللَّه عنه- لَلرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ عَلَى أَهْلِ مِنى غَدًا بِأَسْيَافِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَمْ نُؤْمَرْ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ ارجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ".
¬__________
(¬1) روى الإمام البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب ما جاء في أسماء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رقم الحديث (3533) - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا تَعْجَبُونَ كيفَ يَصْرِفُ اللَّه عني شَتْمَ قُرَيْشٍ ولعنَهُمْ؟ يشتُمُون مُذَمَّمًا، ويلعَنُونَ مُذَمَّمًا، وأنا مُحَمَّد".
قَالَ الحافظ في الفتح (7/ 250): كان الكفارُ من قُرَيش من شِدَّة كَرَاهتِهِم في النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُسَمُّونه باسمه الدَّالِّ على المدحِ فيعدِلُونَ إلى ضِدِّه فيقولون مُذَّمم، وإذا ذكرُوهُ بِسُوءٍ قالوا: فعل اللَّهُ بمذمَّم، ومذمَّمٌ ليس هو اسمه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا يُعرف به فكان الذي يَقَع منهم في ذلك مَصْرُوفًا إلى غيره.
(¬2) يُقال: صَبَأَ فُلان: إذا خَرج من دِينٍ إلى دِين غيره، وكانت العرب تُسمي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصَّابِئَ، لأنه خرج من دِين قريش إلى دين الإسلام. انظر النهاية (3/ 3).
(¬3) أَزَبُّ العقَبَة: اسم شَيْطَانٍ كان بالعَقَبَة. انظر النهاية (1/ 46).

الصفحة 590