كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

آوَى (¬1) لِي رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُم، فَقَالَ: وَيْحَكَ! ! أَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ جِوَارٌ وَلَا عَهْدٌ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: بَلَى وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أُجِيرُ لِحُبَيْرِ بنِ مُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ تُجَّارَهُ، وَأَمْنَعُهُم مِمَّنْ أَرَادَ ظُلْمَهُم بِبلَادِي، وَلِلْحَارِثِ بنِ حَرْبِ بنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! ! فَاهْتِفْ بِاسْمِ الرَّجُلَيْنِ، وَاذْكُر مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمَا، قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَخَرَجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَيْهِمَا، فَوَجَدَهُمَا فِي المَسْجِدِ عِنْدَ الكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ رَجُلًا مَنَ الخَزْرَجِ الآنَ يُضْرَبُ بِالأَبْطَحِ (¬2) يَهْتِفُ بِكُمَا، وَيَذْكُرُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمَا جِوَارًا، قَالَا: مَنْ هُوَ؟
قَالَ: سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، قَالَا: صَدَقَ وَاللَّهِ، إِنْ كَانَ لَيُجِيرُ لَنَا تُجَّارَنَا، وَيَمْنَعُهُمْ أَنْ يُظْلَمُوا بِبَلَدِهِ، قَالَ: فَجَاءَا فَخَلَّصَا سَعدًا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم، فَانْطَلَقَ، وَكَانَ الذِي لَكَمَ سعْدًا، سُهيْلُ بنُ عَمرٍو (¬3)، وَالرَّجُلُ الذِي آوَى لَهُ أَبَا البَخْتَرِيِّ بنَ هِشَامٍ (¬4).
وَكَانَتِ الأَنْصَارُ ائْتَمَرَتْ حِينَ فَقَدُوا سَعْدًا -رضي اللَّه عنه-، أَنْ يَكُرُّوا (¬5) إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ، فَرَحَلَ القَوْمُ جَمِيعًا إِلَى المَدِينَةِ (¬6).
¬__________
(¬1) آوى له: أي رَقَّ ورَحمَ. انظر لسان العرب (1/ 275).
(¬2) الأبطُح: هو أبْطُح مكة، وهو مَسِيلُ وَادِيها. انظر النهاية (1/ 134).
(¬3) سُهيل بن عَمرو أسلم -رضي اللَّه عنه- في فتح مكة وحسن إسلامه.
(¬4) أبو البُخْتُرِي بن هشام قُتِل كَافرًا في غزوة بدر الكبرى.
(¬5) الكَرُّ: الرُّجوع. انظر لسان العرب (12/ 64).
(¬6) أخرج تفاصيل بيعة العقبة الثانية: الإمام أحمد في مسنده بأسانيد قوية وحسنة - رقم الحديث (15798) - (14653) - (14456) - وابن حبان في صحيحه بسند صحيح =

الصفحة 593