كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

أَنْ تَزُولَ، لَكِنَّنَا لَا يَجُوزُ أَنْ نَنْسَى مَصْدَرَ هَذِهِ الطَّاقةِ المُتَأَجِّجَةِ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالثِّقَةِ، إِنَّهُ القُرْآنُ! ! لَئِنْ كَانَ الأَنْصَارُ قَبلَ بَيْعَتِهِمْ الكُبْرَى لَمْ يَصْحَبُوا الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَّا لِمَامًا (¬1) فَإِنَّ الوَحْيَ المُشِّعَ مِنَ السَّمَاءِ أَضَاءَ لَهُمُ الطَّرِيقَ، وَأَوْضَحَ الغَايَةَ (¬2).

* إِسْلَامُ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ -رضي اللَّه عنه- (¬3):
لَمَّا رَجَعَ الأَنْصَارُ الذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى المَدِينَةِ أَظْهرُوا الإِسْلَامَ بِهَا، وَدَعَوْا أَهْلِيهِم إِلَيْهِ، وَكَانَ فِي قَوْمِهِم بَقَايَا مِنْ شُيُوخٍ لَهُمْ عَلَى دِينهِم مِنَ الشِّرْكِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بنُ الجَمُوحِ -رضي اللَّه عنه- مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلِمَةَ وَأَشْرَافِهِمْ، وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذٌ شَهِدَ العَقَبَةَ، وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِهَا.
وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مَنْ خَشَبٍ، يُقَالُ له (مَنَاةٌ)، كَمَا كَانَ الأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ، فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلِمَةَ: مُعْاذُ بنُ جَبَلٍ، وَابْنُهُ مُعَاذُ بنُ عَمْرٍو، فِي فِتْيَان مِنْهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ العَقَبَةَ، كَانُوا يُدْلِجُونَ (¬4) بِاللَّيْلِ عَلَى
¬__________
(¬1) اللِّمام: اللقاء اليسير. انظر لسان العرب (12/ 333).
(¬2) انظر فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رحمه اللَّه تعالى ص 148.
(¬3) هو عمرُو بن الجَمُوح الأنصاري الخَزْرَجِي، كان -رضي اللَّه عنه- أعْرَجًا، وشَهِدَ بَدرًا في قول، ولم يذكره ابن إسحاق فيهم، واستشهِدَ في أُحُدٍ. ودفن هو وعبد اللَّه بن عمرو بن حرامٍ في قبْرٍ واحدٍ. وكان عمرُو بن الجَمُوحِ -رضي اللَّه عنه- كَرِيمًا جَوَادًا، سَيِّدًا من ساداتِ الأنصار، وشريفًا من أشرافهم. انظر الإصابة (4/ 506).
(¬4) الدُّلجَةُ: سَيْرُ الليل. انظر النهاية (2/ 120).

الصفحة 597