كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

العَسْكَرِيُّ وَتَرْتِيبُ الصُّفُوفِ.
3 - كَانَتْ خَفَارَاتٌ عَسْكَرِيَّةٌ صَغِيرَةٌ، كَافِيَةً لإِفْسَادِ النِّظَامِ العَسْكَرِيِّ، وَمَنْعِهِ مِنَ التَّقَدُّمِ، يَقُولُ ابنُ إِسْحَاقَ: كَانَ أَحَدُ جَانِبَيِ المَدِينَةِ عَوْرَةً وَسَائِرُ جَوَانِبِهَا مُشَكَّكَةً بِالبُنْيَانِ وَالنَّخِيلِ، لَا يَتَمَكَّنُ العَدُوُّ مِنْهَا.
وَلَعَلَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الحِكْمَةِ الإِلهِيَّةِ في اخْتِيَارِ المَدِينَةِ بِقَوْلِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِأَصْحَابِهِ قَبْلَ الهِجْرَةِ: "إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابتَيْنِ (¬1) " -وَهُمَا الحَرَّتَانِ- فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَل المَدِينَةِ.
4 - كَانَ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنَ الأوْسِ وَالخَزْرَجِ أَصْحَابَ نَخْوَةٍ (¬2) وَإِبَاءٍ (¬3) وَفُرُوسِيَّةٍ، وَقُوَّةٍ، وَشَكِيمَةٍ (¬4)، ألِفوا الحُرِّيَّةَ، وَلمْ يَخْضَعُوا لِأَحَدٍ، وَلمْ يَدْفعُوا إِلَى قَبِيلَةٍ أَوْ حُكُومَةٍ إِتَاوَةً (¬5) أَوْ جِبَايَةً (¬6)، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا في الكَلِمَةِ التِي قَالَهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ -رضي اللَّه عنه- سَيِّدُ الْأَوْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي غَزْوَةِ الخَنْدَقِ: قَدْ
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الكفالة - باب جوار أبي بكر في عهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعقده - رقم الحديث (2297) - وكتاب المناقب - باب هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (3905).
(¬2) يُقال: رجل فيه نَخْوَة: أي أنَفَة وحَمِيَّة وكِبْرٌ. انظر النهاية (5/ 29).
(¬3) الإبَاء: هو أشدُّ الامتناع. انظر النهاية (1/ 24).
(¬4) يُقال: فلان شديد الشَّكِيمَةِ إذا كان عزِيزَ النفس أبِيًّا قَوِيًّا. انظر النهاية (2/ 444).
(¬5) الإتَاوَةُ: الرشوَةُ والخَرَاج. انظر لسان العرب (1/ 67).
(¬6) الجِبَايَةُ: هي استخراجُ الأموالِ من مَظَانِّها. انظر لسان العرب (2/ 174).

الصفحة 601