كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

أعْظَمَتِ العَرَبُ قُرَيْشًا، وقَالُوا: هُمْ أهْلُ اللَّهِ، قَاتَلَ اللَّهُ عَنْهُمْ وكَفَاهُمُ العَدُوَّ، وازْدادُوا تَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ الحَرَامِ، وإيمَانًا بِمَكَانِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وقَالُوا في ذَلِكَ أشْعَارًا يَذْكُرُونَ فِيهَا مَا صَنَعَ اللَّهُ بِالحَبَشَةِ، ومَا رَدَّ عَنْ قُرَيْشٍ مِنْ كَيْدِهِمْ، مِنْهَا مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ الزِّبَعْرَي:
تَنَكَّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكَّةَ إنَّهَا ... كَانَتْ قَدِيمًا لَا يُرَامُ حَرِيمُهَا
لَمْ تُخْلَقِ الشِّعْرَى لَيَالِيَ حُرِّمَتْ ... إذْ لَا عَزِيزَ مِنَ الأَنَامِ يَرُومُهَا
سَائِلْ أمِيرَ الجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى ... ولَسَوْفَ يُنْبِي الجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا
سِتُّونَ ألْفًا لَمْ يَؤُوبُوا أرْضَهُمْ ... بَلْ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ الإِيَابِ سَقِيمُهَا
دَانَتْ بِهَا عَادٌ وجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ ... واللَّهُ مِنْ فَوْقِ العِبَادِ يُقِيمُهَا
وقَدْ وَقَعَ هَذَا الحَادِثُ في شَهْرِ المُحَرَّمِ قَبْلَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ بِخَمْسِينَ أَوْ بِخَمْسٍ وخَمْسِينَ يَوْمًا، وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً مِنَ اللَّهِ، ومُقَدِّمَةً لِبِعْثَةِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ فِي مَكَّةَ ويُطَهِّرُ الكَعْبَةَ مِنَ الأوْثَانِ، ويُعِيدُ إلَيْهَا مَا كَانَ لَهَا مِنْ رِفْعَةٍ وشَأْنٍ، وتَكُونُ لِدِينِهِ صِلَةٌ عَمِيقَةٌ دَائِمَةٌ بهَذَا البَيْتِ.
واسْتَعْظَمَ العَرَبُ هَذَا الحَادِثَ فَأرَّخُوا بِهِ، وقَالُوا: وَقَعَ هَذَا فِي عَامِ الفِيلِ، ووُلِدَ فُلَانُ في عَامِ الفِيلِ، ووَقَعَ هَذَا بَعْدَ عَامِ الفِيلِ بِكَذَا مِنَ السِّنِينَ (¬1).
¬__________
(¬1) تفاصيل قِصَّةِ أصحاب الفيلِ انظرها في: البداية والنهاية (2/ 565) سيرة ابن هشام (1/ 76) - الرَّوْض الأُنُف (1/ 117) - دلائل النبوة لأبي نعيم (1/ 144) - دلائل النبوة للبيهقي (1/ 115).

الصفحة 63