كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

آخُذْ رَضِيعًا، وَاللَّهِ لَأَذْهَبَنَّ إِلَى ذَلِكَ اليَتِيمِ فَلَآخُذَنَّهُ، قَالَ: لا عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ بَرَكَةً.
قَالَتْ: فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ فأخَذْتُهُ، ومَا حَمَلَنِي عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ.
قالَتْ: فَلَمَّا أَخَذْتُهُ، رَجَعْتُ بِهِ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ في حِجْرِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ حتَّى رَوِيَ، وشَرِبَ مَعَهُ أخُوهُ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ نَامَا، ومَا كُنَّا نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وقَامَ زَوْجِي إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ، فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ (¬1) فَحَلَبَ مِنْهَا وشَرِبَ، وشَرِبْتُ مَعَهُ حتَّى انْتَهَيْنَا رِيًّا وشِبَعًا، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ، قَالَتْ: يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أصْبَحْنَا: تَعْلَمِي واللَّهِ يا حَلِيمَةُ، لَقَدْ أخَذْتِ نَسَمَةً مُبَارَكَةً، قالَتْ: فقُلْتُ واللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو ذَلِكَ، قالَتْ: ثُمَّ خَرَجْنَا ورَكِبْتُ أتَانِي، وحَمَلْتُهُ عَلَيْهَا مَعِي، فَوَاللَّهِ لَقَطَعْتُ بِالرَّكْبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ حُمُرِهِمْ حتَّى إِنَّ صَوَاحِبِي لَيَقُلْنَ لِي: يَا ابْنَةَ أَبِي ذُؤَيْبٍ، وَيْحَكِ أَرْبِعِي عَلَيْنَا (¬2)، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أتَانُكِ التِي كُنْتِ خَرَجْتِ عَلَيْهَا؟
فأَقُولُ لَهُنَّ: بَلَى وَاللَّهِ، إنَّهَا لَهِيَ هِيَ، فَيَقُلْنَ: وَاللَّهِ إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا.
قَالَتْ: ثُمَّ قَدِمْنَا مَنَازِلَنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ، ومَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ اللَّهِ أَجْدَبَ (¬3) مِنْهَا، فَكَانَتْ غَنَمِي تَرُوحُ عَلَيَّ حِينَ قَدِمْنَا بهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبّنًا،
¬__________
(¬1) نَاقَةٌ حَافِلٌ: أي كثيرة اللبن. النهاية (1/ 393).
(¬2) أرْبِعِي: أي ارفُقِي واقْتَصِري. النهاية (2/ 172).
(¬3) يُقال أرضٌ جَدْبَاء: أي لا نَبَات بها. انظر النهاية (1/ 235).

الصفحة 89