كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

فَنَحْلِبُ ونَشْرَبُ، ومَا يَحْلِبُ إنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ، ولَا يَجِدُهَا في ضَرْعٍ، حَتَّى كَانَ الحَاضِرُونَ مِنْ قَوْمِنَا يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ: وَيْلَكُمْ اسْرَحُوا حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ فَتَرُوحُ أغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا تَبِضُّ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ، وتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا لُبّنًا (¬1).
فَهَذِهِ مِنْ بَرَكَةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ، وزَوْجِهَا الحَارِثِ.
ولَمْ يَزَلِ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عِنْدَ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ حتَّى مَضَتْ سَنَتَاهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- وفَطَمَتْهُ
¬__________
(¬1) أخرج قِصَّةَ استِرْضَاعِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بادِيَةِ بَنِي سعد:
ابن حبَّان في صحيحه - رقم الحديث (6335) بإسناد منقطع - وابن إسحاق في السيرة (1/ 199) وجَوّد إسناده الذهبي في سيرته (1/ 52).
وضعف الألباني هذا الخبر في كتابه "دِفَاعٌ عن الحديثِ النَّبوي والسيرة".
قُلت: وهناك شواهد كثيرة وثابتة، تدل على استرضاع الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في بادية بني سعد منها:
* ما رواه مسلم في صحيحه - رقم الحديث (162) (261) - في قصة شقِّ صدره -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو غُلام، وهي تتفق مع رواية الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (17648) - والحاكم في المستدرك - رقم الحديث (4288) - وابن إسحاق (1/ 201) بسند حسن في شق صدره -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُسْتَرضَعٌ في بادية بني سعد.
* ومنها ما رواه ابن إسحاق في السيرة (1/ 203) - وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 679) بَسَندٍ جيِّد قَوِي، عن خالد بن مَعْدان، عن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا: يا رسول اللَّه أخبرنا عن نفسك؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نَعم أنا دَعْوة أَبِي إبراهيم، وبُشرى عِيسى عليهِ السَّلامُ، ورأتْ أمِّي حيثُ حَمَلت بي أنَّه خرَج منها نُورٌ أضاءَتْ لهُ قُصُور الشَّام، واستُرْضِعْتُ في بَنِي سعدِ بن بَكْرٍ. . .".
* ومنها ما رواه ابن إسحاق في السيرة (4/ 141) بسند حسن في قِصَّة قُدُوم وفْدِ هَوَازِن إلى الرسول وهو بالجِعرانة مُنْصَرَفَهُ من حُنين، ولفظه: . . . فقام رجل من هَوَازن، ثُمَّ أَحَدُ بني سعد بن بكر، فقال: يا رسول اللَّه، إنَّما في الحَظَائِرِ -أي الأسر- عَمَّاتُكَ وخَالاتُكَ وحَوَاضِنُكَ اللاتي كُنَّ يَكْفَلْنَكَ.

الصفحة 90