كتاب اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (اسم الجزء: 1)

قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حُصْهُ، فَحَاصَهُ (¬1)، وخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، . . . ثُمَّ انْطَلَقَا وتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ (¬2) فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالذِي لَقِيتُهُ، فأشْفَقَتْ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ (¬3) بِي، قَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ، فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا، وَحَمَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، ورَكِبَتْ خَلْفِي حتَى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي، فقَالَتْ: أَوَأَدَّيْتُ أَمَانَتِي وذِمَّتِي؟ وحَدَّثَتْهَا بِالذِي لَقِيتُ، فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، وقَالَتْ: إنِّي رَأَيْتُ حِينَ حَمَلْتُ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنِّي نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ" (¬4).
وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أتَاهُ جِبْرِيلُ، وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ القَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءَ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ (¬5)، ثُمَّ أَعَادَهُ في مَكَانِهِ، وجَاءَ الغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرِهِ (¬6)، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلْ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وهُوَ مُنْتَقِعُ (¬7) اللَّوْنِ.
¬__________
(¬1) حَاصَهُ: خَاطَهُ. انظر لسان العرب (3/ 394).
(¬2) الفَرَقُ: بالتَّحريك الخوف والفزع. انظر النهاية (3/ 392).
(¬3) أُلْبِسَ: أي خُولِطْتُ في عَقْلي. انظر النهاية (4/ 196).
(¬4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (17648) - والحاكم في المستدرك - رقم الحديث (4288) - وأورد الإمام الذهبي في سيرته (1/ 52) - وصحح إسناده - وأخرجه ابن إسحاق في السيرة (1/ 203) عن خالد بن معدان بسند حسن، وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 679) - وقال: وهذا إسناده جيد قوي.
(¬5) قال الإمام النووي في شرح مسلم (1/ 187): أي جمعه وضمَّ بعضه على بعض.
(¬6) الظِّئْرُ: المُرْضِعَةُ غير ولدها. انظر النهاية (3/ 140).
(¬7) قال الإمام النووي في شرح مسلم (1/ 187): مُنْتَقِعُ اللون: أي مُتَغَيِّر اللون.

الصفحة 94