كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

وَسَمِعتُ بعضَ أصحابِنا (¬1) يَذكُر هذا التحميدَ، فقال: "الحمد لله الذي ابتدأ الخلق بنعمائهِ، وتغمَّدهم بحُسْن بلائه، فوقف (¬2) كل امرئٍ منهم في صِباهُ على طلب ما يحتاجُ إليهِ مِن غذائه، وسَخَّر له مَنْ يكْلؤهُ إلى وَقت استغنائهِ، ثم احتجَّ عَلى مَن بلغ منهُم بآلائه وأعذر إليهم بأنبيائه، فشرح صَدر من أحَبَّ هُداه من أوليائهِ وَطبعَ على قلبِ مَن لم يُرِدْ إرشادَه من أعدائه، الذي لم يزل (¬3) بصفاته وأسمائه، الذي لا يشتمل عليه زَمان، ولا يحيط به مكان، ثم خلق الأماكن وَالأزمان، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (¬4)، فقدَّرَها أحْسَنَ تَقديرٍ، وَاخترعَها عن غير نَظيرٍ، لم يرْفَعْها بِعَمَدٍ (¬5)، وَلم يستعِنْ عَليها بأحَدٍ، زَيَّنها للنَّاظرِين،
¬__________
(¬1) لم أقف على تعيينهم.
(¬2) كذا في الأصل، وفي (م) كذلك غير أنها أصلحت في الهامش إلى "فوفَّق"، وفي (ط) ليست واضحة تمامًا ويشبه أن تكون موافقة للأصل، وكلتا الكلمتين مناسبة للسياق. والفعل "وقف" يأتي لازمًا وهو الأكثر، ومتعدّيًا كقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات: 24].
(¬3) في (م): "لم تزل"، وهو خطأ.
(¬4) سورة فصلت- الآية (11).
(¬5) العَمَدُ -بفتحتين-: جمع العمود كـ أعمدة، وعُمُد. القاموس المحيط- للفيروزآبادي (ص 384 - عمد). وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الرعد- الآية (2).

الصفحة 16