كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 1)

وجَعلَ فيها رُجُومًا للشياطين، فتبارَكَ الله أحْسنُ الخالقين، وتعَالى (¬1) عن أن يُطْلق في وصْفِه آراء المتكلِّفين، أو أن يُحَكّمَ في دينه أهواء المُقَلِّدين، فجَعَل القرآن إِمامًا للمتَّقينَ، وَهُدىً للمؤمنينَ، وَمَلْجأً للمتنازِعين، وحَاكِمًا بين المختلفين، وَدعا أولياءه المؤمنين إلى اتِّباع تنزيله، وَأمر عبادَه عند التنازُع في تأويله بالرجُوع إلى قوْلِ رَسولِه (¬2) -صلى الله عليه وسلم-، بذلك نَطَق محكمُ كتابهِ، إذ يقول جلَّ ثناؤه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬3).
أَحمدهُ حَمْدًا يَبْلُغُ رِضاه، ويَحْتَبِس (¬4) آلاه، ويُكافئ نَعماه، وَأَسْتعينُه على رعايةِ مَا اسْتحفظَنَا من وَدائعهِ، وَحفْظِ ما اسْتَودَعَنا مِن شرائعهِ، وأُؤمِن به إيمان مَن أَخْلَصَ عبَادتَه، واستشعَرَ طاعَتَه، وأتوكُّلُ عليهِ تَوكُّلَ مَنْ انقطَع إليهِ، ثقةً به، وَرغبةً فيما لدَيه.
¬__________
(¬1) سقطت الواو من (م).
(¬2) لعل قلم الناسخ سبق إلى كتابتها هكذا: "رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ثم أصلحها إلى ما أثبتُّه، وفي (ط) كما أثبت أيضًا، وهو المناسب للسياق.
(¬3) سورة النساء- الآية (59).
(¬4) أشار المصنِّف بهذا التعبير إلى دوام النعم بالحمد عليها، بتعبيره هذا. و "آلاه" سُهِّلت فيها الهمزة للسجع وأصلها "ألاءه"، ولعل "نَعماه" الآتية كذلك، فيكون أصلها "نعماءَه" أو "نُعماه" بالضم من النُّعمى.

الصفحة 17