فابتدأ بالأدنى ثم ارتقى إلى الأعلى، فبدأ بأهل الكذب ووضع الحديث، ثم من غلب على حديثه الغلط وكان وهمه فيه أكثر، ثم مَن يغلط في بعض حديثه ويهم فيه، لكن لم يكن غالبًا عليه؛ وعليه فما جاء في الظاهرية من قوله: «ومن يتهم» ظني أنها خطأ، والصواب: «يَهِم»؛ وذلك بالنظر في التدرّج الوارد في العنوان؛ فالنظر يقتضي أنّ من غلب على حديثه الوهم يكون بعده مَن يهم، لكن لم يكن الوهم غالبًا، لا المتَّهم؛ لأن المتهم في منزلة الوضّاع والكذّاب، ثم الاتهام لا يتبعّض، وهو قد قال: «من يَهِم في بعض حديثه»، ثم ذكر بعده المجهول، وقيّده بأن يروي ما لا يُتابع عليه، وهذا نظر من الإمام فيه دقة، ثم مستقيم الحديث الذي تلبس ببدعة يغلو فيها ويدعو إليها، وهذا تأصيل جيد في التعامل مع الرواة، فتأمّل، ومِنه ـ إن صدَق الظن ـ تعلَم ما في التعقبات الواردة على العقيلي في ذكره لبعض الثقات في الكتاب. والله أعلم.
هذا، والناس -بعد ذلك- يختلفون في تسمية الكتاب؛ فبعضهم يسميه: «كتاب الضعفاء»، أو: «الضعفاء والمتروكين» (1)، وبعضهم يقول: «التاريخ الكبير»، أو: «التاريخ» (2)، وبعضهم يقول: «الجرح والتعديل».
أما تسميته بـ: «الضعفاء»، أو: «الضعفاء والمتروكين» فهو اكتفاء بالإجمال الوارد في أول العنوان، أو اختصار للعنوان الطويل.
وأما تسميته بـ: «التاريخ الكبير»، أو «التاريخ» ففيه نظر، ولئن كان مَن قال ذلك قاله اعتبارًا بنصوص موجودةٍ في «الضعفاء»، رأى بعض الناقلين لها يقول: «قال العقيلي في «التاريخ الكبير» - أوفي «التاريخ»» فقد أخطأه الصواب، فـ «التاريخ الكبير» مصنَّف مستقلٌ، وهو كبير حقيقةً، وتجد مِن نقْل أهل العلم منه ما لا أثرَ له في
__________
(1) سماه بذلك ابن خير في «الفهرست» (ص178)، وابن حجر في «المعجم المفهرس» (ص171)، والروداني في «الصلة» (ص289).
(2) انظر: «أجوبة ابن سيد الناس» (ص116، 159)، أو يكون النقل من «التاريخ» نفسه، وابن الملقن يسميه في «البدر المنير»: «التاريخ»، ومرات: «تاريخ الضعفاء».