المزيد، قلت: يا جبريل، ولم تدعونه يوم المزيد؟ قال: لأن ربنا تبارك وتعالى اتخذ في الجنة واديا أفيحًا من مسك أبيضَ، فإذا كان يوم الجمعة، نزل ربنا تبارك وتعالى على عرشه إلى ذلك الوادي، وقد حُفّ العرش بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر، وقد حُفّ (1) تلك المنابر بكراسي من نور، ثم يؤذن لأهل الغرُفات، فيُقبلون يخوضون كثبان المسك إلى الرُّكَب، عليهم أسورة الذهب والفضة، وثياب الحرير، حتى يتناهوا إلى ذلك الوادي، فإذا اطمأنوا فيه جلوسا، بعث الله عليهم ريحا، يقال لها: المثيرة، فثارت بينابيع المسك الأبيض في وجوههم وجباههم وثيابهم، وهم يومئذ جرد (2) مُرد (3) مكحَّلون، أبناء ثلاث وثلاثين، تضرب جِمامُهم (4) إلى سُرَرِهم، على صورة آدم سسس يوم خلقه، فيأتي (5) ربَّ العزة رضوانُ، وهو: خازن الجنة، فيقول: يا رضوان، ارفع الحجب بيني وبين عبادي، فإذا رفعت الحجب بينهم وبينه، فرأوا بهاءه ونوره، هووا (6) سجودا، فيناديهم بصوته: ارفعوا رءوسكم، فإنما كانت العبادة لي في الدنيا، وأنتم اليوم في دار الجزاء والخلود، سلوني ما شئتم فأنا ربكم الذي صدقتكم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، فهذا محل كرامتي، فسلوني ما شئتم، فيقولون: ربّنا وأي خير لم تفعله بنا، ألست الذي أعنتنا على سكرات الموت، وآنَست منا الوحشة في ظلمة القبر، وبعثتنا بعد البِلَى (7) بحسن وجمال، وآمَنت روعتنا عند النفخة في الصور، ألست أقلت عثراتنا، وسترت علينا القبيح في أمورنا، وثبّتّ على جسر جهنم أقدامنا، ألست الذي أدنيتنا من جوارك، وأسمعتنا لذاذة منطقك، وتجليت لنا بنورك، فأي خير لم تفعله بنا، فيعود فيناديهم بصوته، فيقول: أنا ربكم الذي
__________
(1) في (م)، (ظ): «حفت».
(2) جرد: جمع أجرد، وهو الذي ليس على بدنه شعر. (انظر: النهاية, مادة: جرد).
(3) مرد: جمع أمرد، وهو: من لم تنبت لحيته. (انظر: المصباح المنير، مادة: مرد).
(4) الجِمَام: واحدها جُمّة، وهو ما طال من الشَّعَر، وفي (ظ): «جباههم».
(5) في (ظ): «فينادي»، وفي (م): «فيأتي إلى».
(6) في (م)، (ظ): «هبوا».
(7) في المطبوع: «البَلاء»، تصحيف، وهي في (م)، (ظ) على الصحة، وإنما دخل الغلط على المحقق، أنها كتبت بألف ممدودة: «البلا»، وكذلك رسمت في نسختنا، وفي (ظ) تحت الباء كسرة ظاهرة.