كتاب ضعفاء العقيلي (التأصيل) (اسم الجزء: 1)

المقدمة العلمية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد الخلق أجمعين، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعدُ؛ فإن معرفة الرجال نصف العلم (1)، وهم نوعان؛ بين ثقةٍ وضعيفٍ، ومن المقرر عند العلماء أنّ من السبل المهمة إلى معرفة مقبول الأخبار من مردودها، وصحيحها من معلولها -صونًا للشريعة واحتياطًا لها- تمييزُ الضعفاء من الثقات، بمعرفة أسمائهم، والوقوف على أحوالهم وأخبارهم، وقد استقصى نقادُ الحديث الصِّنفين بالتصنيف، فأَفردَ أسماء الضعفاء من الأئمة: البخاريُّ، والجوزجاني، وأبو زُرْعة، وأبو حاتم، والنسائي، والساجي، في آخرين، ثم كان من التالين لهذه الطبقات من المجَلِّين في هذا العلم أئمة منهم: الإمامُ العقيلي، وكتابه «الضعفاء الكبير» أصل لمن جاء بعده، في معرفة الضعفاء، وهذا الكتاب قد طبع مراتٍ قبلًا، وما كان يخطر على الذهن القيام بإعادة تحقيقه، وإن كان فيه من الخلل ما كان.
لولا أنّ الله عز وجل أنعم عليّ منذ ست سنوات (2)، بالوقوف على نسخة من الكتاب يتيمةٍ، غفل عنها الزمان، في مكتبة الزاوية العثمانية بصحراء الجزائر، وهي يتيمةُ الدهر، حقيقةً لا مجازًا؛ فإني ما جاوزتُ النظرَ في الورقات الأولى والأخيرة منها، حتى أخذتني سكرة الفرح بالظَفَر (3)، فهذا شيء لم يتحرك به الخاطر يومًا، وقد كان يجري في ظني أن النفائس كالشمس، مطلعها من الشرق، ومستقرها في هذا العصر ومستودعُها الغربُ! فكذّب الواقعُ الظنون، وقضى الله أن يكون مطلعُ شمس هذه النسخةِ من
__________
(1) قال ابن خلاد في «المحدث الفاصل» (ص320): «حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري بمكة، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: سمعت علي بن المديني يقول: «التفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم»».
(2) سنة 1428هـ.
(3) للفرح سكرةٌ تذهب بالعقل، أو تكاد، وخبر صاحب الراحلة عند مسلم.

الصفحة 9