كتاب نوادر المخطوطات (اسم الجزء: 1)

وليس تشتمل أرض مصر بعد الفسطاط الذي هو مقر الملك وكرسي الدولة، على مدائن لها قدر في كثرتها ولا فخامتها، لكن أجل مدائنها وأفخرها أما في الجهة الشمالية من الفسطاط فالاسكندرية وتنيس ودمياط، وأما في الجهة الجنوبية إلى أقصى الصعيد فقوص وقفط. فهذه صفة أرض مصر على الجملة.
وأما النيل فينبوعه من وراء خط الاستواء، من جبل هناك يعرف بجبل القمر، فإنه يبتدئ بالتزيد في شهر أبيب، الذي هو بالرومية يولية. والمصريون يقولون: "إذا دخل أبيب، كان للماء دبيب". وعند ابتدائه في التزيد تتغير جميع كيفياته وتفسد، والسبب الموجب لذلك مروره بنقائع مياه آجنة يخالطها فيجتلبها، ويستخرجها معه ويستصحبها، إلى غير ذلك مما يحتمل. فتصير مثل الحال التي وصفه بها الأمير تميم بن المعز لدين الله:
أما ترى الرعد بكى فاشتكى ... والبرق قد أومض فاستضحكا
فاشرب على غيم كصبغ الدجى ... أضحك وجه الأرض لما بكى
[وقد حكى العود أنين الهوى ... لكنه جود فيما حكى]

الصفحة 17