كتاب نوادر المخطوطات (اسم الجزء: 1)

وساح، وعم الغيطان والبطاح، وانضم الناس إلى أعلى مساكنهم من الضياع والمنازل، وهي على آكام وربى لا ينتهي إليها الماء، ولا يتسلط السيل عليها، فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحراً غامراً لما بين جبليها المكتنفين لها. وتثبت على هذه الحال ريثما يبلغ الحد المحدود، في مشيئة الرب المعبود. وأكثر ذلك يحوم حول ثمانية عشر ذراعاً، ثم يأخذ عائداً في منصبه، إلى مجرى النيل [ومسربه، فينضب أولاً عما كان] من الأرض مشرفاً عالياً، ويصير فيما كان منها متطامناً، فيترك كل قرارة كالدرهم، ويغادر كل تلعة كالبرد المسهم، وفي هذا الوقت من السنة تكون أرض مصر أحسن شيئاً منظراً، ولا سيما متنزهاتها المشهورة، ودياراتها المطروقة، كالجزيرة، وبركة الحبش وما جرى مجراها من المواضع التي يطرقها أهل الخلاعة، وينتابها ذوو الأدب والطرب. واتفق أن خرجنا في مثل هذا الزمان إلى بركة الحبش، فافترشنا من زهرها أحسن بساط، واستظللنا من دوحها بأوفى رواق، وطلعت علينا من زجاجات الأقداح شموس في خلع البدور، ونجوم بالصفاء تنور، إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء، ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء، فقال في ذلك بعضنا

الصفحة 20