كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت محيي الدين عبد الحميد (اسم الجزء: 1)

واجز الأمير الّذي نعماه فاجئة ... بغير قول ونعمى القوم أقوال
وهذان البيتان من مطلع قصيدة يمدح بها فاتكا الإخشيدي بمصر، وكان وصله بصلة سنية من نفقة وكسوة قبل أن يمدحه، ثم مدحه بعد ذلك بهذه القصيدة وهي من غرر شعره، وقد بنى مطلعها على المعنى المشار إليه من ابتداء فاتك إياه بالصلة قبل المديح، وليس في التجريد المذكور في هذين البيتين ما يدل على وصف النفس ولا على تزكيتها بالمديح، كما ورد في الأبيات الرائية المتقدم ذكرها، وإنما هو توسع لا غير.
وأما القسم الثاني:- وهو غير المحض- فإنه خطاب لنفسك لا لغيرك، ولئن كان بين النفس والبدن فرق إلا أنهما كأنهما شيء واحد، لعلاقة أحدهما بالآخر.
وبين هذا القسم والذي قبله فرق ظاهر، وذاك أولى بأن يسمى تجريدا؛ لأن التجريد لائق به، وهذا هو نصف تجريد؛ لأنك لم تجرّد به عن نفسك شيئا، وإنما خاطبت نفسك بنفسك، كأنك فصلتها عنك وهي منك.
فمما جاء منه قول عمرو بن الإطنابة «1» :
أقول لها وقد جشأت وجاشت ... رويدك تحمدي أو تستريحي

الصفحة 408