كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ت محيي الدين عبد الحميد (اسم الجزء: 1)

الذي علمته العرب خاصة وانفرد باستخراجه أبو على رحمه الله، وإن عنى بالمعنى الكامن ما فيه من الأخلاق كالشجاعة والسخاء في المثال الذي ذكره حتى يشبه بالأسد، تارة وبالبحر أخرى فليس الإنسان مختصّا بهذا المعنى الكامن دون غيره من الحيوانات، بل الأسد فيه من معنى الشجاعة ما ليس في الإنسان؛ ولهذا إذا بولغ في وصف الإنسان بالشجاعة شبّه بالأسد، وكذلك في بعض الحيوانات من السخاء ما ليس في الإنسان، ومن أمثال: أكرم من ديك؛ لأنه إذا ظفر بحبة من الحنطة أخذها في منقاره وطاف بها على الدجاج حتى يضعها في منقار واحدة منهن؛ فالأخلاق إذا مشتركة بين الإنسان وبين غيره من الحيوانات، غير أن الإنسان يجتمع فيه ما تفرق في كثير منها.
وما أعلم ما أراد أبو علي رحمه الله بقوله: «إن في الإنسان معنى كامنا فيه كأنه حقيقته ومحصوله» إلا أن يكون أحد هذين القسمين اللذين أشرت إليهما.
على أن القسم الواحد الذي هو خلق الشجاعة والسخاء وغيره من الأخلاق ليس عبارة عن حقيقة الإنسان؛ إذ لا يقال في حده: حيوان شجاع، ولا سخي، بل يقال: حيوان ناطق، فالنطق الذي هو الاستعداد للعلوم والصنائع هو حقيقة الإنسان؛ فبطل إذا قول أبي علي رحمه الله في تمثيله حقيقة الإنسان بالشجاعة والسخاء.
فالخطأ توجّه في كلامه من وجهين: أحدهما: أنه جعل حقيقة الإنسان عبارة عن خلقه، والآخر: أنه أدخل في التجريد ما ليس منه.
وهذا القدر كاف في هذا الموضع؛ فليتأمل.

الصفحة 411