كتاب روح البيان (اسم الجزء: 1)

بعد ما كان يدخلها للوسوسة ودلت كلمة اهبطوا على انهما كانا في جنة الخلد حيث امرا بالانحدار وهو النزول من علو الى سفل وقد سبق في الآيات السابقة ما سبق قال القرطبي فى تفسيره ان الصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الازلية في ذلك وهي نثر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف فكانت تلك الاكلة سبب اهباطهما من الجنة فاخرجهما لانهما خلقا منها وليكون آدم خليفة الله في الأرض ولله أن يفعل ما يشاء وقد قال إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً وهذه منقبة عظيمة وفضيلة كريمة شريفة انتهى كلام القرطبي فهبوطه من الجنة هبوط التشريف والامتحان والتمييز بين قبضتى السعادة والشقاوة لان ذلك من مقتضيات الخلافة الإلهية على ما في كشف الكنوز واكثر المفسرين على ان المعنى انزلوا استخفافا بكم لكن القول ما قالت حذام قال المولى الشهير بابن الكمال في رسالة القضاء والقدر عتاب آدم عليه السلام في قوله تعالى أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ عتاب تلطيف لا عتاب تعنيف وتعذيب وتنزيله من السماء الى الأرض بقوله اهبطوا مِنْها جَمِيعاً تكميل وتبعيد تقريب كما في قول الشاعر سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ حال استغنى فيها عن الواو بالضمير اى متعادين يبغى بعضكم على بعض بتضليله والعدو يصلح للواحد والجمع ولهذا لم يقل اعداء فابليس عدو لهما وهما عدو لابليس والحية عدو لبنى آدم وهم عدوها هى تلسعهم وهم يدمغونها وإبليس يفتنهم وهم يلعنونه وكذا العداوة بين ذرية آدم وحواء بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين والعداوة مع إبليس دينية فلا ترتفع ما بقي الدين والعداوة مع الحية طبيعية فلا ترتفع ما بقي الطبع ثم هذه عداوة تأكدت بيننا وبينهم لكن حزبا يكون الله معهم كان الظفر لهم ثم قوله بعضكم لبعض عدو اخبار عن كونه
اى التعادي لا امر بتحصيله ولما قال بعضكم لبعض عدو قال آدم الحمد لله حيث لم يقل أنا لكم عدو والعدو هو المجاوز حده في مكروه صاحبه وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ اى موضع قرار على وجهها او في القبور ثم المستقر ثلاثة رحم الام قال تعالى فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ أودع في صلب الأب واستقر في رحم الام والثاني الدنيا قال تعالى وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ والثالث العقبى اما في الجنة قال تعالى أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا واما في النار قال تعالى إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً الآية وَمَتاعٌ اى تمتع بالعيش وانتفاع به إِلى حِينٍ الى آخر اعماركم وهو حين الموت او الى القيامة قال بعض العلماء في قوله تعالى إِلى حِينٍ فائدة لآدم عليه السلام ليعلم انه غير باق فيها ومنتقل الى الجنة التي وعد بالرجوع إليها وهي لغير آدم دالة على المعاد فحسب ولما هبطوا وقع آدم بأرض الهند على جبل سرنديب ولذلك طابت رائحة أشجار تلك الاودية لما معه من ريح الجنة وكان السحاب يمسح رأسه فاصلع فاورث أولاده الصلع ووقعت حواء بجدة وبينهما سبعمائة فرسخ والطاووس بمرج الهند والحية بسجستان او باصفهان وإبليس بسد يأجوج ومأجوج وسجستان اكثر بلاد الله حيات ولولا العربد

الصفحة 111