كتاب روح البيان (اسم الجزء: 1)

تعظيم الحق بانه أعظم من كل شىء في قلب العبد طلبا ومحبة وعظما وعزة ومقارنة النية مع التكبير اشارة الى ان صدق النية في الطلب ينبغى ان يكون مقرونا بتكبير الحق وتعظيمه فى الطلب عن غيره فلا تطلب منه الا هو فان من طلب غيره فقد كبر وعظم ذلك المطلوب لا الله تعالى فلا تجوز صلاته حقيقة كما لا تجوز صلاته صورة الا بتكبير الله فان قال الدنيا اكبر او العقبى اكبر لا يجوز حتى يقول الله اكبر فكذلك في الحقيقة وفي وضع اليمنى على اليسرى ووضعهما على الصدر اشارة الى اقامة رسم العبودية بين يدى مالكه وحفظ القلب عن محبة ما سواه وفي افتتاح القراءة بوجهت اشارة الى توجهه للحق خالصا عن شرك طلبه غير الحق وفي وجوب الفاتحة وقراءتها وعدم جواز الصلاة بدونها اشارة الى حقيقة تعرض العبد في الطلب لنفحات الطاف الربوبية بالحمد والثناء والشكر لرب العالمين وطلب الهداية وهي الجذبات الالهية التي توازى كل جذبة منها عمل الثقلين وتقرب العبد بنصف الصلاة المقسومة بين العبد والرب نصفين والقيام والركوع والسجود اشارة الى رجوعه الى عالم الأرواح ومسكن الغيب كما جاء منه فاول تعلقه بهذا العالم كان بالنباتية ثم بالحيوانية ثم بالانسانية فالقيام من خصائص الإنسان والركوع من خصائص الحيوان والسجود من خصائص النبات كما قال تعالى وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ فللعبد في كل مرتبة من هذه المراتب ربح وخسران والحكمة في تعلق الروح العلوي النورانى بالجسد السفلى الظلماني كان هذا الربح لقوله تعالى على لسان نبيه عليه السلام (خلقت الخلق ليربحوا على لا لأربح عليهم) ليربح الروح في كل مرتبة من مراتب السفليات فائدة لم توجد في مراتب العلويات وان كان قد ابتلى اولا ببلاء الخسران كما قال تعالى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا الآية فبنور الايمان والعمل الصالح يتخلص العبد من بلاء خسران المراتب السفلية ويفوز بربحها فبالقيام في الصلاة بالتذلل وتواضع العبودية يتخلص من خسران التكبر والتجبر الذي من خاصته ان يتكامل في الإنسان ويظهر منه انا ربكم الأعلى ويفوز بربح علو الهمة الانسانية التي إذا كملت في الإنسان لا يلتفت الى الكون في طلب المكون كما كان حال النبي عليه السلام إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى فاذا تخلص من التكبر الإنساني يرجع من القيام الإنساني الى الركوع الحيواني بالانكسار والخضوع فبالركوع يتخلص من خسران الصفة الحيوانية ويفوز بربح تحمل الأذى والحلم ثم يرجع من الركوع الحيواني الى السجود النباتي فبالسجود يتخلص من خسران الذلة النباتية والدناءة السفلية ويفوز بربح الخشوع الذي يتضمن الفلاح الابدى والفوز العظيم السرمدي كما قال تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فالخشوع أكمل آلات العروج في العبودية وقد حصل في تعلقه بالجسد النيرانى وليس لاحد من العالمين هذا الخشوع
وبهذا السر أبت الملائكة وغيرهم ان يحملن الامانة فاشفقن منها لان الإباء ضد الخشوع وحملها الإنسان باستعداد الخشوع وكمل خشوعه بالسجود إذ هو غاية التذلل في صورة الإنسان وهيئة الصلاة ونهاية قطع تعلق الروح من العالم السفلى وعروجه الى العالم الروحاني العلوي برجوعه من مراتب الانسانية

الصفحة 37