كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

وقال: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا" (¬١).
والصديقية مرتبة تلي مرتبة النبوة، فهي في المرتبة الثانية {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: ٦٩].
وأما صدق الفعل: فهو أن لا يظهر خلاف الباطن، فمن يظهر لك المودة وقلبه يبغضك، أو يظهر أنه مؤمن ويصلي ويتصدق ويحضر مجالس العلم، لكن قلبه منطوٍ على الكفر -والعياذ بالله- فهذا كاذب كذبًا فعليًا، حيث أظهر خلاف ما يبطن.
فالأول كاذب مع عباد الله. والثاني كاذب مع الله.
والحاصل: أنَّ الصدق خُلُق عظيم، لا يناله إلا من وفَّقه الله ممن أنعم الله عليهم، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا.
وقوله تعالى: {وَالْقَانِتِينَ}:
القانتون: اسم فاعل من القنوت، والقنوت يطلق على عدة معان، وأنسبها لهذه الآية أن المراد بالقنوت: دوام الطاعة مع الخشوع والخضوع لله عزّ وجل، بحيث يكون الإنسان مديمًا
---------------
(¬١) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وما ينهى عن الكذب، رقم (٦٠٩٤). ومسلم، كتاب البر والصلة، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، رقم (٢٦٠٧).

الصفحة 113