كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

سمعت الله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك، فإما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه. ثم إن الخطاب بوصف الإيمان يقتضي أن امتثال ذلك من مقتضيات الإيمان، ويقتضي أيضًا أن مخالفته نقص في الإيمان؛ لأن المؤمن يقتضي إيمانه أن يقوم بما أمر به، وأن يدع ما نهي عنه. فالخلاصة أنه يقتضي أمورًا:
الأمر الأول: إذا صدر الخطاب بالنداء فهو دليل على الاعتناء به، وأهميته.
الأمر الثاني: اختيار النداء بوصف الإيمان موجب.
الأمر الثالث: اختيار وصف الإيمان.
الأمر الرابع: الإعراض عنه ورفضه من منقصات الإيمان.
الامتثال إن كان أمرًا، والاجتناب إن كان نهيًا، والتصديق إن كان خبرًا من مقتضيات الإيمان.
يقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}.
{فَرِيقًا} يعني طائفة {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وهم اليهود والنصارى، فالكتاب لليهود هو التوراة, والكتاب للنصارى هو الإنجيل، وقوله: {فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يعني لا جميعهم؛ لأن بعض أهل الكتاب ليسوا على هذا الوصف، فإن منهم من آمن. فآمن من النصارى النجاشي، وآمن من اليهود عبد الله بن سلام. وهؤلاء من خيار المؤمنين، لكن فريقًا منهم يقول عنهم: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} يعني يوجبوا لكم أن ترتدوا بعد الإيمان، سواء كان ذلك بالقتال فيما بينكم، كما يذكر أن رجلًا من اليهود وشى بين الأوس والخزرج, ذكَّرهم أيام الجاهلية،

الصفحة 571