كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

فثاروا، أي ثار بعضهم على بعض، وغضبوا، وقد يكون هذا السبب أو هذا المعنى الذي ذكر ضعيفًا، لكن مهما كان الأمر فإن أهل الكتاب يريدون منا أن نرتد عن الإيمان. وقد صرح الله بذلك في آيات أُخَر: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة: ١٠٩]، {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} [آل عمران: ٦٩].
فأهل الكتاب يودون هذا. وتعلمون أن من ودَّ شيئًا سعى في تحصيله. إذن فنحن نعلم أن أهل الكتاب يسعون بكل ما يستطيعون أن يردوا المسلمين عن دينهم، سواء منعوا الناس عن الدخول في دين الإسلام، أو أخرجوهم من دين الإسلام بعد دخولهم فيه. وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا مطولًا في ذكر الفوائد.
قوله: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}:
والردَّة بعد الإيمان أعظم من منع الإيمان من أصله؛ لأنها إخراج من الإيمان إلى الكفر، ومن المعلوم أن الإنسان لن يخرج من الإيمان إلى الكفر إلا بمحاولات شديدة، إذ إن إبعاد من لم يدخل في الشيء أهون ممن دخل فيه، وآمن به، ولهذا قال: {بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
وقوله: {كَافِرِينَ} المراد به: الكفر المخرج عن الملة، لكنهم قد لا يستطيعون أن يُخرجونا من الإيمان بالكلية، لكن بالتدريج مما يُلقونه أمامنا من معوِّقات كمال الإيمان، حتى ينحل الإيمان شيئًا فشيئًا، ولا يبقى في القلوب شيء، وحينئذٍ يكون الكفر المحض.

الصفحة 572