كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: ٨٢]. فهنا قسَّم الله تعالى الناس غير المسلمين إلى ثلاثة أقسام: اليهود والمشركين والنصارى .. وهنا قال: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}، ولم يقل: (والنصارى). . {قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}، فلاحظ الفرق، ثم نجد أنَّ الله قال في آية أخرى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: ٥١]، وقال في آية أخرى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا}. وهذا أعم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: ٧٣] ..
فهذه ثلاث آيات، فالذين قالوا: إنا نصارى، ليسوا هم النصارى الذي هم أولياء لليهود وللكافرين .. هؤلاء قوم معينون, وصفهم الله بوصف لا يوجد في بقية النصاري, فقال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: ٨٢، ٨٣]. فهذه الطائفة من النصارى هي التي تكون أقرب مودَّة للذين آمنوا، أما الطائفة التي إذا سمعت ما أنزل إلى الرسول نفرت، وسعت بكل ما تستطيع أن لا يقبل الناس هذا الذي أُنزل، فوالله ليست أقرب مودَّة من اليهود والمشركين، هم على حدٍ سواء.
٤ - أن طاعة الكفار مخالفة للإيمان؛ لقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، فتكون طاعتهم مخالفة لكمال الإيمان، وقد تصل إلى انتفاء الإيمان بالكلية.

الصفحة 583