كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر. ولكن لدينا قاعدة مهمة جدًّا توجب أن لا يتسرع الإنسان في دعوى النسخ؛ لأن دعوى النسخ ليست دعوى بسيطة، فإن النسخ يتضمن إبطال حكم من الأحكام الشرعية، وإبطال الحكم من الأحكام الشرعية ليس بالأمر السهل؛ وإن كان بعض الناس وبعض العلماء يتساهل، وإذا عجز أن يوفِّق بين النصوص، أو يرجح ادَّعى النسخ. وهذا غلط؛ لأنه يترتب عليه إلغاء حكم شرعي. فنحن نقول: ما دام النص من القرآن أو السنة يمكن أن يحمل على وجه صحيح لا يعارض النصوص الأخرى، فهذا هو الواجب؛ لأننا إذا سلكنا هذا المسلك عملنا بكل النصوص. أما إذا قلنا: إن أحدهما منسوخ فإننا نلغي نصًّا جاء به الوحي. وهذا ليس بالأمر الهين، فالصحيح أن هذه الآية غير منسوخة؛ لأنها لا تخالف الآيات، هي مثل قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] والغريب أن الذين قالوا بالنسخ قالوا: إنها نسختها هذه الآية {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا. . .} إلخ لكن لا وجه لهذا. فالصحيح أن معنى {حَقَّ تُقَاتِهِ}، أي بقدر ما تستطيعون و {حَقَّ تُقَاتِهِ} ما أمرنا به عزّ وجل في قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦].
وقوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} هذا مما يدخل تحت الخطاب، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يعني إلا وأنتم مسلمون لله ظاهرًا وباطنًا. والإسلام هنا يدخل فيه الإيمان، وكما مرَّ في آيات كثيرة الدعاء بأن يموت الإنسان مسلمًا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: ١٢٦]، وفي سورة يوسف

الصفحة 588