كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

نحوها. فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم أن يجتمعوا، وأن لا يدخل معهم أحد. اجتمعوا فجاء إليهم، وذكَّرهم بنعمة الله عزّ وجل عليهم، وقال لهم: "ألم أجدكم ضُلالًا فهداكم الله بي؟ "، قالوا: "الله ورسوله أَمَنّ؟ قال: "ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي؟ " قالوا: الله ورسوله أَمَنّ؟ قال: "ألم أجدكم متفرقين فجمعكم الله بي؟ "، قالوا: الله ورسوله أَمَنّ؟ كلما قال شيئًا، وذكَّرهم به، اعترفوا بأن الله ورسوله أمَنّ. ولكنه عليه الصلاة والسلام لما ذكرهم بفضله عليهم قال: لو شئتم لقلتم: جئتنا طريدًا فآويناك، وذكر عليه الصلاة والسلام فضلهم عليه ثم قال: "أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار، الأنصار شعار والناس دثار" (¬١)، حتى جعلوا يبكون، وخضبوا لحاهم بدموعهم رضي الله عنهم، واقتنعوا اقتناعًا كاملًا، الشاهد من هذا أنه ذكَّرهم صلوات الله وسلامه عليه أنهم كانوا متفرقين فجمعهم الله به، وألفهم به، ولهذا يذكر الله سبحانه وتعالى هؤلاء بقوله: {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم} ألَّف يعني جمع. ومنه قولنا: ألَّف فلان كتابًا يعني جمعه.
وقوله: {بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} ولم يقل بينكم، لأن الائتلاف في القلوب. وهذا هو الذي عليه المدار، ليس المدار الائتلاف بالأجسام. كم من أمة ائتلفت بأجسامها ولكن قلوبها متفرقة كما
---------------
(¬١) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، رقم (٤٣٣٠). ورواه مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، رقم (١٠٦١).

الصفحة 596