كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

قال الله تعالى عن اليهود: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: ١٤] ولا فائدة من اجتماع الأبدان مع تفرق القلوب. الفائدة باجتماع القلوب، وتآلف القلوب، ولو تباعدت الأبدان. وكم من إنسان يكون بينك وبينه مودة وصداقة وهو بعيد منك، وبعيد عنك. وكم من إنسان بالعكس تشعر بأنه ينافقك وأنه لا يكنُّ لك المحبة ولا الصداقة، ومع ذلك هو ملازم لك كملازمة الظل. فالشأن كل الشأن بالقلوب.
ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} ومن الذي يستطيع أن يؤلف بين قلوب الناس؟ الله عزّ وجل. لا أحد يستطيع أبدًا سواه. يقول الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: ٦٣] صحيح أن المال يؤلف، ولهذا جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم نصيبًا من الزكاة، وكان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم. لكن ثقوا أن ما كان مؤلفًا لشيء فإنه سوف ينعدم تأليفه بزوال هذا الشيء وفقده لكن التأليف الذي يكون على الإيمان، ومن الرحمن عز وجل، هذا لا ينفصل، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.
قوله: {فَأَصْبَحْتُم} أصل الإصباح الدخول في الصباح الذي هو أول النهار. لكنه يطلق أحيانًا مجردًا من الزمان ويراد به الصيرورة، أي صرتم إخوانًا وهذا هو المراد هنا (أصبحتم إخوانًا) يعني صرتم إخوانًا في الصباح والمساء.
وقوله: {بِنِعْمَتِهِ} الباء هنا للسببية، أي بسبب إنعامه عليكم بعد العداوة، أصبحتم إخوانًا يعني إخوة، والأخوة في الأصل

الصفحة 597