كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

المقارنة أو القران بين الشيئين، وكل شيئين اتفقا في شيء واقترنا به فهما أَخَوان. فمعنى {إِخْوَانًا} أي مقترنين، مؤتلفين، كأنما بينكم رابطة النسب، بل أعظم من رابطة النسب؛ لأن أخوة الدين أعظم من أخوة النسب، بل إن أخوة النسب تتلاشى إذا لم توجد أخوة الدين، ودليل هذا أن نوحًا عليه الصلاة والسلام قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: ٤٥، ٤٦] {لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} مع أنه ابنه بضعة منه، لكنه ليس من أهله: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} يعني أنه عمل عملًا غير صالح، فهو كافر، وأنت رسول، فليس بينكما نسب يعني قرابة، فالأخوة الإيمانية أقوى رابطة من الأخوة النسبية، فإذا اجتمعا قوَّى بعضهما بعضًا، إذا كان أخاك من النسب وهو أيضًا أخوك في الدين صار هذا أقوى وأقوى.
وقوله: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} وقد ظهرت هذه الأخوة، فإن الأنصار رضي الله عنهم لما قدم إليهم المهاجرون صاروا يؤثرونهم في أموالهم، يتنازل الإنسان عن ماله لأخيه المهاجر، بل ربما يتنازل عن إحدى زوجتيه له من شدة الأخوة والمحبة بينهما.
وقوله: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}:
{وَكُنْتُمْ} أي قبل الإسلام. {عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} أي: على طرف، وشفا الشيء طرفه كشفا البئر أي طرفها.
وقوله: {عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّار} أي: من نار جهنم؛ لأنهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام والأوثان، فهم على شفا حفرة، لو ماتوا على تلك الحال لسقطوا في الحفرة. لكن قبل أن

الصفحة 598