كتاب تفسير العثيمين: آل عمران (اسم الجزء: 1)

يسقطوا في الحفرة أنقذهم الله بالإسلام، ولله الحمد والمنة. فبيَّن الله عز وجل حالهم الاجتماعية، وحالهم الدينية، حالهم الاجتماعية كانوا أعداء مختلفين، متفرقين، فألف بين قلوبهم. وحالهم الدينية أنهم على شفا حفرة من النار، لم يبق عليهم أن يتساقطوا في النار إلا أن يموتوا على الكفر، ولكن الله تعالى أنقذهم بنعمته بهذا الدين الذي قال الله فيه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].
{عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} كلمة (أنقذ) تدل على أن هذا الشفا كان هلكة، وهو كذلك، فإنه لا هلكة أعظم من هلكة من كان في النار فأنقذه الله منها إنقاذًا.
ثم قال: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ}:
{كَذَلِكَ} يذكرها الله سبحانه وتعالى كثيرًا في كتابه العزيز، وهي على تقدير مثل ذلك، فكذلك أي: مثل ذلك. ثم هي تختلف باختلاف السياق، ففي مثل هذا السياق الذي نحن فيه تكون مفعولًا مطلقًا، وإن شئتم فقولوا نائبة مناب المصدر؛ لأن التقدير مثل ذلك البيان: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} أي أن الله سبحانه وتعالى أظهر آياته لنا -آياته الكونية وآياته الشرعية- بيانًا واضحًا ظاهرًا ليس فيه لبس؛ لأنه هنا لما ذكرهم حالهم الاجتماعية والدينية وهي حال ظاهرة لا تشكل عليهم جعل ذلك بيانًا فقال: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} أي: العلامات الدالة عليه وعلى وحدانيته، وربوبيته، وسلطانه، وعلمه، وقدرته، وغير ذلك مما تقتضيه تلك الآية؛ لأن كل آية من آيات الله تدل على معنى من معاني ربوبيته سبحانه وتعالى.

الصفحة 599