كتاب تفسير العثيمين: المائدة (اسم الجزء: 1)

والفرق ظاهر: لأن الثاني فيه عدوان على الزوجة الأولى، والأول لا عدوان فيه، بل الزوج امتنع عما أباح الله له باختياره ورضاه، ولكن لو أراد الزوج أن يتزوج وتزوج، فالزوجة لها الخيار إن شاءت بقيت وإن شاءت فسخت، ولا مهر للزوج؛ لأنه هو الذي أخل بالشرط، فنقول له: تزوج، ولا نحجر عليه إذا لم يفِ بالشرط، إن اضطرته الحاجة لذلك وإلا فإن ذمته لا تبرأ وهو للإثم أقرب؛ لأن المرأة مكرهة على الفسخ وقد غرر بها، وهي ربما تبقى وهي مكرهة.
يدخل في ذلك الوفاء بالعهود لأن العهد عقد، كما جاء في آية أخرى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٤].
وأيضًا يدخل في ذلك الوفاء بالوعد، فلو قلت لإنسان: سأمر عليك غدًا في الساعة الفلانية، الصحيح أنه يجب عليك أن توفي به؛ لأن الوعد عهد ولأن إخلاف الوعد من صفات المنافقين، والرسول عليه الصلاة والسلام لما قال في المنافق: "إذا وعد أخلف" (¬١) لا يريد أن يوصل إلى أفهامنا أن هذه الخصلة من خصال المنافقين فقط، ولكن يريد منا أن نتجنبها ونحذرها، ولهذا كان القول الراجح أن الوفاء بالوعد واجب، وأنه لا يجوز للإنسان أن يخلف في الوعد إلا لعذر شرعي.
والعجب أن بعض المغرورين بأخلاق الأمم الكافرة يقول لصاحبه إذا واعده: إنه وعد إنجليزي، مع أن الكفار من أبعد
---------------
(¬١) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، حديث رقم (٣٣)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، حديث رقم (٥٩) عن أبي هريرة.

الصفحة 14