كتاب تفسير العثيمين: المائدة (اسم الجزء: 1)

عليها، وأنها آية من كتاب الله مستقلة ليست من السورة التي قبلها ولا التي بعدها، يؤتى بها عند بدء كل سورة سوى سورة براءة، وأنها متعلقة بمحذوف، ويقدر هذا المحذوف فعلًا متأخرًا مناسبًا للموضوع الذي تقدمته هذه البسملة، هذا أحسن ما قيل في متعلق البسملة.
وعليه: فإذا كنت تريد أن تقرأ تقول: إن الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف تقديره باسم الله أقرأ، وإذا كنت تريد أن تتوضأ تقول: باسم الله أتوضأ، وإذا كنت تريد أن تذبح مذكاة تقول: باسم الله أذبح .. وهكذا.
وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} اعلم أنه إذا صُدِّر الكلام بهذه الجملة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنه كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أرعها سمعك -يعني: انتبه لها- فإما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه (¬١)، وإما خبر يكون فيه مصلحة لك، مثل قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨] وما أشبه ذلك.
واعلم أيضًا أنه إذا صدر الكلام بها فإنه يدل على أن ما بعدها من مقتضيات الإيمان؛ تصديقًا به إن كان خبرًا، وعملًا به إن كان طلبًا، وأن مخالفة ذلك نقص في الإيمان وامتثاله يزيد به الإيمان.
واعلم أيضًا أن الله تعالى يصدر الخطاب بها إغراءً للمخاطب؛ لأن قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} كأنه يخاطبهم بقوله: إن إيمانكم يحملكم على أن تفعلوا كذا وكذا وأن تتركوا كذا وكذا حسب السياق.
وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أوفوا بها أي:
---------------
(¬١) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ١٩٦)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٣٠)، وأحمد في الزهد (ص ١٥٨).

الصفحة 6