كتاب الموضوعات لابن الجوزي (اسم الجزء: 1)

فَإِن البُخَارِيّ وَمُسلمًا قد أخرجَا حَدِيث الْمسيب بن حزن فِي وَفَاة أبي طَالب وَلم يرو عَن الْمسيب غير ابْنه سعيد.
وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيث قيس بن أبي حَازِم عَن مرداس الْأَسْلَمِيّ: " يذهب الصالحون أَولا أَولا "، وَلَيْسَ لمرداس راو غير قيس وَأخرج حَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عَمْرو بن تغلب: " إِنِّي لأعطى الرجل وَالَّذِي أدع أحب إِلَى " وَلم يروه عَن عَمْرو غير الْحسن فِي أَشْيَاء كَثِيرَة عِنْد البُخَارِيّ.
وَأخرج مُسلم حَدِيث الْأَغَر الْمُزنِيّ " إِنَّه ليغان على قلبِي " وَلم يرو عَنهُ غير أبي بردة وَأخرج حَدِيث أبي رِفَاعَة الْعَدْوى، وَلم يرو عَنهُ غير عبد الله بن الصَّامِت، وَأخرج حَدِيث ربيعَة بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ، وَلم يرو عَنهُ غير أبي سَلمَة بن عبد الرحمن فقد كَانَ الْحَاكِم مجزفا فِي قَوْله، وَإِنَّمَا اشْترط البُخَارِيّ وَمُسلم الثِّقَة والاشتهار وَقد تركا أَشْيَاء كَثِيرَة تَركهَا قريب وَأَشْيَاء لاوجه لتركها، فمما ترك البُخَارِيّ الرِّوَايَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة مَعَ علمه بِثِقَتِهِ لِأَنَّهُ قيل لَهُ إِنَّه كَانَ لَهُ ربيب يدْخل فِي حَدِيثه مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَترك الرِّوَايَة عَن سهل بن أبي صَالح لِأَنَّهُ قد تكلم فِي سَمَاعه من أَبِيه وَقيل صحيفه، وَاعْتمد عَلَيْهِ مُسلم لما وجده تَارَة يحدث عَن أَخِيه عَن أَبِيه وَتارَة عَن
عبد الله بن دِينَار مرّة عَن الْأَعْمَش عَن أَبِيه فَلَو كَانَ سَمَاعه صحيفه كَانَ يروي الْكل عَن أَبِيه، وَمن الْأَشْيَاء الَّتِى لاوجه لتركها أَن يرفع الحَدِيث ثِقَة فيقفه آخر فَترك هَذَا لاوجه لَهُ، لِأَن الرّفْع زِيَادَة وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة إِلَّا أَن يفقه الْأَكْثَرُونَ وَيَرْفَعهُ وَاحِد فَالظَّاهِر غلطه، وَإِن كَانَ من الْجَائِز أَن يكون قد حفظ دونهم، وَأما ترك حَدِيث ثِقَة لكَونه لم يرو عَنهُ غير وَاحِد فقبيح لِأَنَّهُ إِذا صَحَّ النَّقْل وَجب أَن يخرج.
وَأما حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب فَإِن شعيبا هُوَ ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَإِذا قَالَ: عَن أَبِيه عَن جده فَإِن أَرَادَ بجده مُحَمَّدًا فَلَيْسَ بصحابى، وَإِن أَرَادَ بجده عبد الله فقد لقِيه شُعَيْب وَسمع مِنْهُ، وَإِذا لم يقل عَن جده عبد الله احْتمل، فَهَذَا عذر لمن ترك إِخْرَاج هَذَا، فَهَذَا الْكَلَام مشعب من ذكر كَمَا اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه وَهُوَ الْقسم الأول وَهُوَ الْغَايَة.

الصفحة 34