كتاب اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (اسم الجزء: 1)
فسيملك موضع قَدَمَيَّ هاتين (¬1)، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أَخْلُص (¬2) إليه لتجشمت (¬3) لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه (¬4).
ثم دعا بكتاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي بعث به دِحْيَة إلى عظيم بُصْرَى، فدفعه إلى هرقل فقرأه، فإذا فيه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللَّه ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سَلَامٌ على من اتبع الهدى (¬5). أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَسْلِمْ يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (¬6) {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
¬__________
(¬1) (موضع قدميَّ هاتين)؛ أي: بيت المقدس، وكنى بذلك؛ لأنه موضع استقرار، أو أراد الشام كله؛ لأن دار مملكته كانت حمص.
(¬2) (أخلص إليه)؛ أي: أصل.
(¬3) (لتجشمت)؛ أي: تكلفت الوصول إليه، وهذا يدل على أنه كان يتحقق أن لا يسلم من القتل إن هاجر إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(¬4) (لغسلت عن قدميه) في "صحيح البخاري": "عن قدمه" بالإفراد.
والمراد أن ذلك مبالغة في العبودية والخدمة له. وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه -إذا وصل إليه سالمًا- لا ولاية ولا منصبًا، وإنما يطلب ما تحصل له به البركة.
(¬5) (سلام على من اتبع الهُدَى) إن قيل: كيف يبدأ الكافر بالسلام؛ فالجواب أن المفسرين قالوا: معناه: سَلِمَ مِن عذاب اللَّه مَنْ أَسْلَم. ومحصل الجواب: أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصدًا، وإن كان اللفظ يشعر به، لكنه لم يدخل في المراد؛ لأنه ليس ممن اتبع الهدى فلم يُسَلِّمْ عليه.
(¬6) (الأريسيين)؛ أي: الفلاحين، والمراد أهل مملكته، وقيل: الضعفاء والأتباع.