كتاب اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (اسم الجزء: 1)
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] ".
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصَّخَبُ، وارتفعت الأصوات، وأُخْرِجْنَا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أَمِرَ (¬1) أمْرُ ابن أبي كبشة (¬2) إنه يخافه مَلِكُ بني الأصْفَرِ، فما زلت موقنًا أنه سيظهر حتى أدخل اللَّه عليَّ الإسلام.
وكان ابن النَّاطُورِ -صاحب إيلياء وهرقل - سُقُفًّا على نصارى الشام- يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يومًا خبيث النفس (¬3)، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك.
قال ابن الناطور: وكان هرقل حَزَّاءً (¬4) ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم مَلِكَ الخِتَان قد ظهر (¬5)، فمن
¬__________
(¬1) (أَمِرَ) بفتح الهمزة وكسر الميم؛ أي: عَظُمَ.
(¬2) (ابن أبي كبشة) أراد به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قيل: إن أبا كبشة أحد أجداده، وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض. وقال ابن قتيبة والخطابي والدارقطني: هو رجل من خزاعة خالف قريشًا في عبادة الأوثان فعبد الشِّعْرَى فنسبوه إليه؛ للاشتراك في المخالفة، وقيل غير ذلك. واللَّه أعلم.
(¬3) (خبيث النَّفْس)؛ أي: رديء النَّفْس غير طيبها؛ أي: مهمومًا.
(¬4) (حَزَّاء)؛ أي: كاهنًا.
(¬5) (ملك الختان قد ظهر)؛ يعني: دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب، وهو كما قال؛ لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ صالح كفار مكة بالحديبية، وأنزل اللَّه تعالى عليه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}؛ إذ فَتْح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية.