كتاب اختصار صحيح البخاري وبيان غريبه (اسم الجزء: 1)
يختتن من هذه الأمة؟ [قالوا: ليس يختتن] (¬1) إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أُتِيَ هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا: أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب. فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا مُلْك هذه الأمة قد ظهر.
ثم كتب هرقل إلى صاحبٍ له بروميَّة، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يَرِمْ (¬2) حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنه نبيٌ (¬3)، فأذن هرقل لعظماء الروم في دَسْكَرَةٍ (¬4) له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلِّقت، ثم اطَّلع فقال: [يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرُّشدِ، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا (¬5) حَيْصَةَ حمرِ الوَحْشِ إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت.
¬__________
(¬1) ما بين المعكوفين مطموس في الأصل، وما أثبتناه من "البخاري".
(¬2) (فلم يرم) بفتح أوله وكسر الراء؛ أي: لم يبرح مكانه.
(¬3) (حتى أتاه كتاب من صاحبه. . . وأنه نبي) يدل على أن هرقل وصاحبه أقرا بنبوة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكن هرقل لم يستمر على ذلك بخلاف صاحبه.
(¬4) (دسكرة): القصر الذي حوله بيوت، وكأنه دخل القصر ثم أغلقه، وفتح أبواب البيوت التي حوله، وإنما فعل ذلك خشية أن يثبوا به.
(¬5) (فحاصوا)؛ أي: نفروا، وشبههم بالوحوش؛ لأن نفرتها أشد من نفرة البهائم الإنسية، وشبههم بالحمر دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل وعدم الفطنة، بل هم أضل.