كتاب المسند للدارمي - ط التأصيل (اسم الجزء: 1)

فَقَالَتَا: {لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ جَائِعًا خَائِفًا لاَ يَأْمَنُ, فَسَأَلَ رَبَّهُ وَلَمْ يَسْأَلِ النَّاسَ, فَلَمْ يَفْطِنِ الرِّعَاءُ, وَفَطِنَتِ الْجَارِيَتَانِ, فَلَمَّا رَجَعَتَا إِلَى أَبِيهِمَا, أَخْبَرَتَاهُ بِالْقِصَّةِ وَبِقَوْلِهِ, فَقَالَ أَبُوهُمَا, وَهُوَ شُعَيْبٌ: هَذَا رَجُلٌ جَائِعٌ, قَالَ لإِحْدَاهُمَا: اذْهَبِي فَادْعِيهِ, فَلَمَّا أَتَتْهُ عَظَّمَتْهُ, وَغَطَّتْ وَجْهَهَا, وَقَالَتْ: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} فَشَقَّ عَلَى مُوسَى حِينَ ذَكَرَتْ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا, وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَتْبَعَهَا, أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْجِبَالِ جَائِعًا مُسْتَوْحِشًا, فَلَمَّا تَبِعَهَا هَبَّتِ الرِّيحُ, فَجَعَلَتْ تُصْفِقُ ثِيَابَهَا عَلَى ظَهْرِهَا, فَتَصِفُ لَهُ عَجِيزَتَهَا, وَكَانَتْ ذَاتَ عَجُزٍ, وَجَعَلَ مُوسَى يُعْرِضُ مَرَّةً, وَيَغُضُّ أُخْرَى, فَلَمَّا عِيلَ صَبْرُهُ, نَادَاهَا: يَا أَمَةَ اللهِ, كُونِي خَلْفِي, وَأَرِينَى السَّمْتَ بِقَوْلِكِ, فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى شُعَيْبٍ, إِذَا هُوَ بِالْعَشَاءِ مُهَيَّأٌ, فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: اجْلِسْ يَا شَابُّ, فَتَعَشَّ, فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَعُوذُ بِاللهِ, فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: لِمَ, أَمَا أَنْتَ جَائِعٌ؟ قَالَ: بَلَى, وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عِوَضًا لِمَا سَقَيْتُ لَهُمَا, وَأَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ, لاَ نَبِيعُ شَيْئًا مِنْ دِينِنَا بِمِلْءِ الأَرْضِ ذَهَبًا, فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: لاَ يَا شَابُّ, وَلَكِنَّهَا عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي, نُقْرِي الضَّيْفَ, وَنُطْعِمُ الطَّعَامَ, فَجَلَسَ مُوسَى فَأَكَلَ, فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِئَةُ دِينَارٍ عِوَضًا لِمَا حَدَّثْتُ, فَالْمَيْتَةُ (1) وَلحْمُ الْخِنْزِيرِ فِي حَالِ الاَضْطِرَارِ أَحَلُّ مِنْ هَذِهِ, وَإِنْ كَانَ لِحَقٍّ لِي فِي بَيْتِ الْمَالِ, فَلِي فِيهَا نُظَرَاءُ (2), فَإِنْ سَاوَيْتَ بَيْنَنَا, وَإِلاَّ فَلَيْسَ لِي فِيهَا حَاجَةٌ.
(الإتحاف: 24357), (البشائر: 706).
_حاشية__________
(1) كذا في طبعَتَي دار التأصيل, ودار البشائر, وفي طبعة دار المُغني: «فالميتة والدم».
(2) في طبعة دار البشائر: «نظر».

الصفحة 433