كتاب المسند للدارمي - ط التأصيل (اسم الجزء: 1)

اتَّقُوا اللهَ, فَإِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ رَقَّ فِيهِ الْوَرَعُ, وَقَلَّ فِيهِ الْخُشُوعُ, وَحَمَلَ الْعِلْمَ مُفْسِدُوهُ, فَأَحَبُّوا أَنْ يُعْرَفُوا بِحَمْلِهِ, وَكَرِهُوا أَنْ يُعْرَفُوا بِإِضَاعَتِهِ, فَنَطَقَوا فِيهِ بِالْهَوَى, لِمَا دَخَلُوا (1) فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ, وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَمَّا تَرَكُوا مِنَ الْحَقِّ, إِلَى مَا عَمِلُوا بِهِ مِنْ بَاطِلٍ, فَذُنُوبُهُمْ ذُنُوبٌ لاَ يُسْتَغْفَرُ مِنْهَا, وَتَقْصِيرُهُمْ تَقْصِيرٌ لاَ يُعْتَرَفُ بِهِ, كَيْفَ يَهْتَدِي الْمُسْتَدِلُّ الْمُسْتَرْشِدُ إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ حَائِرًا, أَحَبُّوا الدُّنْيَا, وَكَرِهُوا مَنْزِلَةَ أَهْلِهَا, فَشَارَكُوهُمْ فِي الْعَيْشِ, وَزَايَلُوهُمْ بِالْقَوْلِ, وَدَافَعُوا بِالْقَوْلِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يُنْسَبُوا إِلَى عَمَلِهِمْ, فَلَمْ يَتَبَرَّؤُوا مِمَّا انْتَفَوْا مِنْهُ, وَلَمْ يَدْخُلُوا فِيمَا نَسَبُوا إِلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ, لأَنَّ الْعَامِلَ بِالْحَقِّ مُتَكَلِّمٌ وَإِنْ سَكَتَ, وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ كُلَّ كَلاَمِ الْحَكِيمِ أَتَقَبَّلُ, وَلَكِنِّي أَنْظُرُ إِلَى هَمِّهِ وَهَوَاهُ, إِنْ كَانَ هَمُّهُ وَهَوَاهُ لِي, جَعَلْتُ صَمْتَهُ حَمْدًا وَوَقَارًا لِي, وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ, وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} لَمْ يَعْمَلُوا بِهَا: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (2) كُتُبًا, وَقَالَ: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} (2), قَالَ: الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ, وَلاَ تَكْتَفُوا مِنَ السُّنَّةِ بِانْتِحَالِهَا بِالْقَوْلِ دُونَ الْعَمَلِ بِهَا, فَإِنَّ انْتِحَالَ السُّنَّةِ دُونَ الْعَمَلِ بِهَا كَذِبٌ بِالْقَوْلِ مَعَ إِضَاعَةِ الْعَمَلِ, وَلاَ تَعِيبُوا بِالْبِدَعِ تَزَيُّنًا بِعَيْبِهَا, فَإِنَّ فَسَادَ أَهْلِ الْبِدَعِ لَيْسَ بِزَائِدٍ (3) فِي صَلاَحِكُمْ, وَلاَ تَعِيبُوهَا بَغْيًا عَلَى أَهْلِهَا, فَإِنَّ الْبَغْيَ مِنْ فَسَادِ أَنْفُسِكُمْ, وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُدَاوِيَ الْمَرْضَى بِمَا يُبْرِئُهُمْ وَيُمْرِضُهُ, فَإِنَّهُ إِذَا مَرِضَ, اشْتَغَلَ بِمَرَضِهِ عَنْ مُدَاوَاتِهِمْ, وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَمِسَ لِنَفْسِهِ الصِّحَّةَ, لِيَقْوَى بِهِ عَلَى عِلاَجِ الْمَرْضَى
_حاشية__________
(1) في طبعة دار البشائر: «أدخلوا».
(2) زاد بعده في طبعة دار البشائر: «الآية».
(3) في طبعة دار البشائر: «يزيد».

الصفحة 437