كتاب المسند للدارمي - ط التأصيل (اسم الجزء: 1)

فَلْيَكُنْ أَمْرُكُمْ فِيمَا تُنْكِرُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ نَظَرًا مِنْكُمْ لأَنْفُسِكُمْ, وَنَصِيحَةً مِنْكُمْ لِرَبِّكُمْ, وَشَفَقَةً مِنْكُمْ عَلَى إِخْوَانِكُمْ, وَأَنْ تَكُونُوا مَعَ ذَلِكَ بِعُيُوبِ أَنْفُسِكُمْ أَعْنَى مِنْكُمْ بِعُيُوبِ غَيْرِكُمْ, وَأَنْ يَسْتَطْعِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا النَّصِيحَةَ, وَأَنْ يَحْظَى عِنْدَكُمْ مَنْ بَذَلَهَا لَكُمْ وَقَبِلَهَا مِنْكُمْ, وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي, تُحِبُّونَ أَنْ تَقُولُوا فَيُحْتَمَلَ لَكُمْ, وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ مِثْلُ الَّذِي قُلْتُمْ غَضِبْتُمْ, تَجِدُونَ عَلَى النَّاسِ فِيمَا تُنْكِرُونَ مِنْ أُمُورِهِمْ, وَتَأْتُونَ مِثْلَ ذَلِكَ, فَلاَ (1) تُحِبُّونَ أَنْ يُوجَدَ عَلَيْكُمْ؟ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ, وَرَأْيَ أَهْلِ زَمَانِكُمْ, وَتَثَبَّتُوا قَبْلَ أَنْ تَكَلَّمُوا, وَتَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ تَعْمَلُوا, فَإِنَّهُ يَأْتِي زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ, وَيَكُونُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ مُنْكَرًا, وَالْمُنْكَرُ فِيهِ مَعْرُوفًا, فَكَمْ مِنْ مُتَقَرِّبٍ إِلَى اللهِ بِمَا يُبَاعِدُهُ, وَمُتَحَبِّبٍ إِلَيْهِ بِمَا يَبْغَضُهُ عَلَيْهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} الآيَةَ, فَعَلَيْكُمْ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ, حَتَّى يَبْرُزَ لَكُمْ وَاضِحُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ, فَإِنَّ الدَّاخِلَ فِيمَا لاَ يَعْلَمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ آثِمٌ, وَمَنْ نَظَرَ للَّهِ نَظَرَ اللهُ لَهُ, عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ, فَأْتَمُّوا بِهِ, وَأُمُّوا بِهِ, وَعَلَيْكُمْ بِطَلَبِ أَثَرِ الْمَاضِينَ فِيهِ, وَلَوْ أَنَّ الأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ لَمْ يَتَّقُوا زَوَالَ مَرَاتِبِهِمْ, وَفَسَادَ مَنْزِلَتِهِمْ بِإِقَامَةِ الْكِتَابِ وَتِبْيَانِهِ مَا حَرَّفُوهُ, وَلاَ كَتَمُوهُ, وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا خَالَفُوا الْكِتَابَ بِأَعْمَالِهِمُ, الْتَمَسُوا أَنْ يَخْدَعُوا قَوْمَهُمْ عَمَّا صَنَعُوا, مَخَافَةَ أَنْ تَفْسَدَ مَنَازِلُهُمْ, وَأَنْ يَتَبَيَّنَ (2) لِلنَّاسِ فَسَادُهُمْ, فَحَرَّفُوا الْكِتَابَ بِالتَّفْسِيرِ, وَمَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا تَحْرِيفَهُ, كَتَمُوهُ, فَسَكَتُوا عَنْ صَنِيعِ أَنْفُسِهِمْ, إِبْقَاءً عَلَى مَنَازِلِهِمْ, وَسَكَتُوا عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُمْ مُصَانَعَةً لَهُمْ, وَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لِيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ يَكْتُمُونَهُ, بَلْ مَالُوا عَلَيْهِ وَرَقَّقُوا (3) لَهُمْ فِيهِ. (البشائر: 708).
_حاشية__________
(1) في طبعة دار البشائر: «ولا».
(2) في طبعة دار البشائر: «وإن تبين».
(3) في طبعة دار البشائر: «ورفقوا».

الصفحة 439