كتاب الجرح والتعديل (ط الهند) (اسم الجزء: 1)

وكان سَعيد بن المُسيَّب يقول: العزلة عبادة. وكان الناس إِذا التقوا إنتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك والنجاة في تركهم فيما نرى، وإياك والأمراء والدنو منهم وأن تخالطهم في شيء من الأَشياء، وإياك أَن تخدع، فيقال لك: تشفع فترد عن مظلوم، أَو مظلمة، فإِن تلك خدعة إبليس وإنما إتخذها فجار القراء سلما، وكان يقال: إتقوا فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإِن فتنتهما فتنة لكل مفتون، وما كفيت المسألة والفتيا فاغتنم ذلك، ولا تنافسهم، وإياك أَن تكون ممن يحب أَن يعمل بقوله وينشر قوله، أَو يسمع منه، وإياك وحب الرياسة، فإِن من الناس من تكون الرياسة أحب إِليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إِلاَّ البصير من العلماء السماسمرة، واحذر الرئاء فإِن الرئاء أخفى من دبيب النمل. وَقال حُذيفة: سيأتي على الناس زمان يعرض على الرجل الخير والشر، فلا يدري أيما يركب، وقد ذكر عن رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم قَال: لا تزال يد الله عز وجل على هذه الأُمة وفي كنفه وفي جواره وجناحه، ما لم يمل قراؤهم إلى أمرائهم وما لم يبر خيارهم أشرارهم، وما لم يعظم أبرارهم فجارهم، فإذا فعلوا ذلك رفعها عنهم، وقذف في قلوبهم الرعب وأنزل بهم الفاقة وسلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، وقال: إِذا كان ذلك لا يأتيهم أمر يضجون منه إِلاَّ أردفه بآخر يشغلهم عن ذلك، فليكن الموت من شأنك، ومن بالك، وأقل الأمل، وأكثر ذكر الموت، فإِنك إِن أكثرت ذكر الموت هان عليك أمر دنياك، وقال عُمر: أكثروا ذكر الموت، فإِنكم إِن ذكرتموه في كثير قلله، وإن ذكرتموه في قليل كثره، واعلموا أَنه قد حان للرجل يشتهي الموت. أعاذنا الله وإياك من المهالك، وسلك بنا وبك سبيل الطاعة.

الصفحة 88