كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 1)

وَعَنِ الرَّابِعِ بَيَانُ كَوْنِ الْعَامِّ حُجَّةً بَعْدَ التَّخْصِيصِ كَمَا يَأْتِي فِي الْعُمُومَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَبْقَى حُجَّةً فِي امْتِنَاعِ التَّفَرُّقِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ وَفِي امْتِنَاعِ مُخَالَفَةِ مَنْ وُجِدَ بَعْدَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ لَهُمْ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَعَنِ الْخَامِسِ بِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ بِتَقْدِيرِ وَجُودِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي الْأَوَامِرِ.
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} .
وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ: أَنَّهُ شَرَطَ التَّنَازُعَ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْمَشْرُوطُ عَلَى الْعَدَمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدِ التَّنَازُعُ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ كَافٍ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً سِوَى هَذَا.
فَإِنْ قِيلَ: سُقُوطُ وُجُوبِ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِنْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَافِيَانِ فِي الْحُكْمِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِجْمَاعِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَفِيهِ تَجْوِيزُ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَذَلِكَ مُحَالٌ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ.
كَيْفَ وَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إِذَا وُجِدَ التَّنَازُعُ مِمَّنْ تَأَخَّرَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ لِإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِينَ.
قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، فَلَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَ دَلِيلِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِيَصِحَّ مَا ذَكَرُوهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِنْبَاطُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا انْحِصَارَ دَلِيلِ الْإِجْمَاعِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اكْتِفَاءِ مَنْ وُجِدَ بَعْدَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، أَوِ اكْتِفَاءِ مَنْ وُجِدَ فِي عَصْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدَةِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَمُشْكِلٌ جِدًّا.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَإِنْ كَانَتْ مُفِيدَةً لِلظَّنِّ فَغَيْرُ مُفِيدَةٍ لِلْقَطْعِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ فَاحْتِجَاجُهُ فِيهَا بِأَمْرٍ ظَنِّيٍّ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمَطْلُوبِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهَا اجْتِهَادِيَّةٌ ظَنِّيَّةٌ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ

الصفحة 218