كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 1)

وَجَوَابُ الثَّالِثِ: أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى صِحَّةِ الْأَخْبَارِ لَمْ يَكُنْ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بِالْعَادَةِ الْمُحِيلَةِ لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا لَا صِحَّةَ لَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الْأَحْكَامِ.
وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْعَادَةِ غَيْرُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْعَادَةِ عَلَى إِحَالَةِ دَعْوَى وُجُودِ مُعَارِضٍ لِلْقُرْآنِ وَانْدِرَاسِهِ، وَوُجُودِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى إِيجَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَصَوْمِ شَوَّالٍ وَنَحْوِهِ.
وَجَوَابُ الرَّابِعِ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الصَّحَابَةُ قَدْ عَلِمَتْ صِحَّةَ الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ وَكَوْنَهَا مُفِيدَةً لِلْعِلْمِ، بِعِصْمَةِ الْأُمَّةِ لَا بِصَرِيحِ مَقَالٍ بَلْ بِقَرَائِنِ أَحْوَالٍ وَأَمَارَاتٍ دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ لَا سَبِيلَ إِلَى نَقْلِهَا، وَلَوْ نُقِلَتْ لَتَطَرَّقَ إِلَيْهَا التَّأْوِيلُ وَالِاحْتِمَالُ، وَاكْتَفَوْا بِمَا يَعْلَمُهُ التَّابِعُونَ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ الِاعْتِمَادَ عَلَى مَا لَا أَصْلَ لَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُصُولِ (١) .
قَوْلُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمُ الضَّلَالَ وَالْخَطَأَ بِمَعْنَى الْكُفْرِ (٢) .
قُلْنَا: هَذِهِ الْأَخْبَارُ نَعْلَمُ أَنَّهَا إِنَّمَا وَرَدَتْ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَالْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ، وَفِي حَمْلِهَا عَلَى نَفْيِ الْكُفْرِ عَنْهُمْ خَاصَّةً إِبْطَالُ فَائِدَةِ اخْتِصَاصِهِمْ بِذَلِكَ لِمُشَارَكَةِ بَعْضِ آحَادِ النَّاسِ لِلْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ أَنْ لَوْ أَرَادَ بِهَا الْعِصْمَةَ عَمَّا لَا يُعْصَمُ عَنْهُ الْآحَادُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ وَالْكَذِبِ وَنَحْوِهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ بَاقِي التَّأْوِيلَاتِ فَبَاطِلٌ.
فَإِنَّ فَائِدَةَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ إِنَّمَا وَرَدَتْ لِإِيجَابِ مُتَابَعَةِ الْأُمَّةِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَالزَّجْرِ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ، بَلْ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَخْبَارِ؛ لَامْتَنَعَ إِيجَابُ مُتَابَعَتِهِمْ فِيهِ لَكِنَّهُ (٣) غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَبَطَلَتْ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْأُمَّةِ بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ تَعْظِيمِهَا لِمُشَارَكَةِ آحَادِ النَّاسِ لَهُمْ فِي نَفْيِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْخَطَأِ عَنْهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ تَعْرِيفُهُ.
---------------
(١) هَذَا آخِرُ الْأَجْوِبَةِ الْأَرْبَعَةِ عَنِ الْأَمْثِلَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّ أَحَدًا أَنْكَرَ. . إِلَخْ.
(٢) هَذَا مُلَخَّصُ السُّؤَالِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ كُلُّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ. . إِلَخْ.
(٣) لَكِنَّهُ صَوَابُهُ لِكَوْنِهِ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِامْتِنَاعِ إِيجَابِ الْمُتَابَعَةِ.

الصفحة 222