كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 1)

وَالْجَوَابُ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الرُّجُوعُ إِلَى أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ دُونَهُ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الِاحْتِجَاجُ بِأَقْوَالِهِمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مَشْرُوطًا بِمُوَافَقَةِ الْعَامَّةِ لَهُمْ (١) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْعَامَّةِ لَهُمْ فِيمَا يُفْتُونَ بِهِ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ، لَكِنْ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِدْلَالِ أَوْ مُطْلَقًا: الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ مُوَافَقَةُ الْعَامَّةِ لِلْعُلَمَاءِ الْمُسْتَدِلِّينَ شَرْطًا فِي جَعْلِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَامِّيُّ مُسْتَدِلًّا (٢) ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ مُوَافَقَةِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مُوَافَقَةِ الْعَامَّةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ فِي قُرْبٍ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ الْمُوجِبُ لِلتَّكْلِيفِ، وَبُعْدُهُ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ الْمَانِعُ مِنَ التَّكْلِيفِ (٣)
وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْعَامِّيِّ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأً، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ مُوَافَقَتِهِ لِلْعُلَمَاءِ فِي أَقْوَالِهِمْ شَرْطًا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى غَيْرِهِمْ (٤) .
وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّهُ دَعْوَى لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ (٥)
وَعَنِ الْخَامِسِ: أَنَّ الْعَامِّيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ مُوَافَقَتُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ شَرْطًا فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً.
---------------
(١) إِذَا سَلَّمَ الْمُعْتَرِضُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ مُعْتَبَرٌ فِي نَفْسِهِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى رَأْيِهِ، إِذْ لَوْ رَأَى رَأَيًا بِالْخَرْصِ وَالتَّخْمِينِ كَانَ آثِمًا، فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مُوَافَقَتُهُ لِلْعُلَمَاءِ بِمَا هُوَ آثِمٌ بِهِ اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا فُهِمَ رَأْيُهُ عَنْ مُشَارَكَةٍ فِي الْبَحْثِ مَثَلًا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَلَيْسَ عَامِّيًّا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ.
(٢) جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ.
(٣) التَّفَاوُتُ بِقُرْبِ الْفَهْمِ، وَبُعْدُهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ وُصُولُهُ بِالْفِعْلِ إِلَى قَوْلٍ نَتِيجَةً لِبَحْثِهِ، وَلَوْ لِمُشَارَكَةِ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِعَامِّيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ.
(٤) جَوَابُهُ وَجَوَابُ الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ مَا تَقَدَّمَ فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ.
(٥) دَلِيلُهُ الِاسْتِقْرَاءُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ أَنَّ خَلِيفَةً مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ اسْتَدْعَى عَامِّيًّا لِأَخْذِ رَأْيِهِ فِي قَضِيَّةٍ إِنَّمَا كَانُوا يَسْتَدْعُونَ الْعُلَمَاءَ، وَمَنْ فِيهِمْ أَهْلِيَّةٌ لِلنَّظَرِ.

الصفحة 227