كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 1)

احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ.
أَمَّا مِنْ جِهَةِ النُّصُوصِ فَمِنْهَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ، وَلَفْظُ (الْأُمَّةِ) يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ وَإِنْ شَذَّ مِنْهُمُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ كَمَا يُقَالُ: بَنُو تَمِيمٍ يَحْمُونَ الْجَارَ، وَيُكْرِمُونَ الضَّيْفَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ، فَكَانَ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً لِدَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إِيَّاكُمْ وَالشُّذُوذَ» "، وَالْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ الْكَثِيرِ شُذُوذٌ.
( «الشَّيْطَانُ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ عَنِ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» ) وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ الْأُمَّةَ اعْتَمَدَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ لَمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ كَعَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَلَوْلَا أَنَّ إِجْمَاعِ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ، لَمَا كَانَتْ إِمَامَةُ أَبِي بَكْرٍ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ فَمِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ بِأَمْرٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَخَبَرَ الْجَمَاعَةِ إِذَا بَلَغَ عَدَدُهُمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَلْيَكُنْ مِثْلَهُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ وَالْإِجْمَاعِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْكَثْرَةَ يَحْصُلُ بِهَا التَّرْجِيحُ فِي رِوَايَةِ الْخَبَرِ، فَلْيَكُنْ مِثْلَهُ فِي الِاجْتِهَادِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَتْ مُخَالَفَةُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ مَا مِنْ إِجْمَاعٍ إِلَّا وَيُمْكِنُ مُخَالَفَةُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِيهِ إِمَّا سِرًّا وَإِمَّا عَلَانِيَةً.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ فِي الْعَصْرِ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُخَالِفٌ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ أَنْكَرَتْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافَهُ فِي رِبَا الْفَضْلِ فِي النُّقُودِ وَتَحْلِيلِ الْمُتْعَةِ وَالْعَوْلِ، وَلَوْلَا أَنَّ اتِّفَاقَ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ لَمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمُجْتَهِدِ الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ.
وَالْجَوَابُ قَوْلُهُمْ: لَفْظُ (الْأُمَّةِ) يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ.

الصفحة 237