كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 1)

الثَّانِي أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَامِلًا غَيْرَ مُخَوِّفٍ، فَلَا تَقِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ذَا شَوْكَةٍ وَقُوَّةٍ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، فَمُحَابَاتُهُ فِي ذَلِكَ تَكُونُ غِشًّا فِي الدِّينِ، وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ يُعَدُّ نُصْحًا.
وَالْغَالِبُ إِنَّمَا هُوَ سُلُوكُ طَرِيقِ النُّصْحِ وَتَرْكِ الْغِشِّ مِنْ أَرْبَابِ الدِّينِ كَمَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ فِي رَدِّهِ عَلَى عُمَرَ فِي عَزْمِهِ عَلَى إِعَادَةِ الْجَلْدِ عَلَى أَحَدِ الشُّهُودِ عَلَى الْمُغِيرَةِ (١) بِقَوْلِهِ: " إِنْ جَلَدْتَهُ، ارْجُمْ (٢) صَاحِبَكَ ".
وَرَدُّ مُعَاذٍ عَلَيْهِ فِي عَزْمِهِ عَلَى جَلْدِ الْحَامِلِ بِقَوْلِهِ: إِنْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ عَلَى ظَهْرِهَا سَبِيلًا فَمَا جَعَلَ لَكَ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا، حَتَّى قَالَ عُمَرُ: لَوْلَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ.
وَمِنْ ذَلِكَ رَدُّ الْمَرْأَةِ عَلَى عُمَرَ لَمَّا نَهَى عَنِ الْمُغَالَاةِ فِي مُهُورِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهَا: أَيُعْطِينَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} ، وَيَمْنَعُنَا عُمَرُ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ: امْرَأَةٌ خَاصَمَتْ عُمَرَ فَخَصَمَتْهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ لَعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ تَجَدَّدَ لَهُ رَأْيٌ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: رَأْيُكُ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكِ وَحْدَكَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَقَائِعِ.
وَأَمَّا حُجَّةُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّكُوتَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ رِضًا، وَعَلَى هَذَا فَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ ظَنِّيٌّ وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ ظَاهِرٌ لَا قَطْعِيٌّ.
---------------
(١) لَمَّا جَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ حَدَّ الْقَذْفِ، قَالَ أَبُو بَكْرَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ: أَشْهَدُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ زَنَا، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُعِيدَ حَدَّهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنْ جِلَدْتَهُ، فَارْجُمِ الْمُغِيرَةَ.
(٢) ارْجُمْ - صَوَابُهُ: فَارْجُمْ.

الصفحة 254