كتاب روضة الناظر وجنة المناظر (اسم الجزء: 1)

فإن قيل:
فقد قال الله -تعالى-: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 1.
قلنا: ما استفيد وجوب القتل بهذه الآية، بل بقوله: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} 1، {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} 2.
وأما أدلة الوجوب: فإنما تدل على اقتضائه مع عدم القرائن الصارفة له، بدليل المندوبات وغيرها وتقدم الحظر قرينة صارفة لما ذكرناه.
وقولهم: "إن النسخ يكون بالإيجاب"3.
قلنا: النسخ إنما يكون بالإباحة التي تضمنها الإيجاب، زائد لا يلزم من النسخ، ولا يستدل به عليه.
وأما النهي4 بعد الإيجاب: فهو مقتض لإباحة الترك، كقوله -عليه السلام-: "توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم"5.
__________
1 سورة التوبة من الآية: 5.
2 سورة التوبة من الآية: 12.
3 هذا رد على الدليل الثالث للقائلين بأنها تفيد الوجوب.
4 هذا -أيضًا- رد على دليلهم الرابع وهو: قياس الأمر بعد الحظر، على النهي بعد الأمر.
5 رواه أحمد في المسند "4/ 352" عن أسد بن حضير، وابن ماجه: كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
وفي رواية أخرى -عند أحمد-: "توضئوا من لحوم الإبل وألبانها".
ورواية مسلم عن جابر بن سمرة أن رجلًا سأل سول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ".
وللعلماء في وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل خلاف حكاه المصنف في =

الصفحة 562