كتاب روضة الناظر وجنة المناظر (اسم الجزء: 1)
لا يقتضيه؛ لأن العبادة طاعة، والطاعة موافقة الأمر، والأمر والنهي يتضادان، فلا يكون النهي مأمورًا، فلا يكون طاعة ولا عبادة.
ولأن النهي يقتضي التحريم وكون الشيء قربة محرمًا محال1.
وحكي عن طائفة، منهم أبو حنيفة: أن النهي يقتضي الصحة؛ لأن النهي يدل على التصور، لكونه يراد للامتناع، والممتنع في نفسه، المستحيل في ذاته، لا يمكن الامتناع منه، فلا يتوجه إليه النهي، كنهي الزَّمِن2 عن القيام، والأعمى عن النظر.
وكما أن الأمر يستدعي مأمورًا يمكن امتثاله: فالنهي يستدعي منهيًّا يمكن ارتكابه، إذا ثبت تصوره.
فلفظات الشرع تحمل على المشروع، دون اللغوي فإذا نهى عن صوم يوم النحر، دل على تصوره شرعًا3.
__________
1 خلاصة ذلك: أن هناك فرقًا بين العبادات والمعاملات من وجهين:
أحدهما: أن المقصود من العبادات: هو التقرب إلى الله تعالى، وارتكاب النهي معصية، فلا يجتمعان، بخلاف المعاملات، فإنها ليست للتقرب، فلا يناقضها ارتكاب النهي.
الوجه الثاني: أن فساد المعاملات بالنهي، يضر بالناس، ويفضي إلى قطع معايش الناس أو تقليلها، فراعى الشرع مصلحتهم، وعليهم إثم ما ارتكبوا من المنهيات.
أما العبادات: فإنها حق الله -تعالى- فتعطيلها بإفسادها بسبب النهي لا يضر به سبحانه، بل من أوقعها صحيحة كان مطيعًا، ومن لم يواقعها بسبب صحيح كان عاصيًا.
انظر: شرح مختصر الروضة "2/ 433-434".
2 الزمانة: العاهة، ورجل زمن: أي مبتلى بمرض يدوم زمنًا طويلًا.
3 خلاصة دليل أبي حنيفة ومن معه: أنه لما استحال أن يقال للأعمى: لا تبصر، =
الصفحة 606
638