كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)

الْأَيْمَانِ الْبَرَاءَةُ مِنَ الدَّعْوَى وَمَنْ لَمْ يُدَّعَ عليه برئ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْخَطَأِ: يَحْلِفُ فِيهَا الْوَاحِدُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَمَهْمَا كَمُلَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ اسْتَحَقَّ الْحَالِفُ مِيرَاثَهُ، وَمَنْ نَكَلَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، فَإِنْ جَاءَ مَنْ غَابَ حَلَفَ مِنَ الْأَيْمَانِ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ حَضَرَ بِحَسَبِ مِيرَاثِهِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْخَطَأِ قَسَامَةً. وَتَتْمِيمُ مَسَائِلِ الْقَسَامَةِ وَفُرُوعِهَا وَأَحْكَامِهَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. مَسْأَلَةٌ: فِي قِصَّةِ الْبَقَرَةِ هَذِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، وَقَالَ بِهِ طَوَائِفُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ بُكَيْرٍ الْقَاضِي مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَالِكٍ وَمَنَازِعُهُ فِي كُتُبِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ قَالَ الله:" فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ" [الانعام: ٩٠] عَلَى مَا يَأْتِي «١» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قوله تعالى: (كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى)
أَيْ كَمَا أَحْيَا هَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ كُلَّ مَنْ مَاتَ فَالْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ)
أَيْ عَلَامَاتِهِ وَقُدْرَتَهُ. (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
كَيْ تَعْقِلُوا. وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢». أَيْ تَمْتَنِعُونَ مِنْ عِصْيَانِهِ. وَعَقَلْتُ نَفْسِي عَنْ كَذَا أَيْ منعتها منه والمعاقل: الحصون.

[سورة البقرة (٢): آية ٧٤]
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الْقَسْوَةُ: الصَّلَابَةُ وَالشِّدَّةُ وَالْيُبْسُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ خُلُوِّهَا مِنَ الْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ لِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ وغيرهما:
---------------
(١). راجع ج ٧ ص ٣٥.
(٢). راجع ص ٢٢٦ من هذا الجزء

الصفحة 462