كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 1)
لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ اخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهَا، وَالْقُرْآنُ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ". وَالْأَخْبَارُ الصِّحَاحُ الَّتِي لَا مَطْعَنَ فِيهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا إِلَّا فِي النَّمْلِ وَحْدَهَا. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي ما سأل فإذا قال" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حمدني عبدي وإذا قال العبد" الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عبدي وإذا قال العبد" مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي وَقَالَ مرة ف. ض إِلَى عَبْدِي فَإِذَا قَالَ" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ" اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ" قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ". فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:" قَسَمْتُ الصَّلَاةَ" يُرِيدُ الْفَاتِحَةَ، وَسَمَّاهَا صَلَاةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا، فَجَعَلَ الثَّلَاثَ الْآيَاتِ الْأُوَلَ لِنَفْسِهِ، وَاخْتَصَّ بِهَا تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِيهَا ثُمَّ الْآيَةَ الرَّابِعَةَ جَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ تَذَلُّلَ الْعَبْدِ وَطَلَبَ الِاسْتِعَانَةِ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ ثَلَاثَ آيات تتمة سبع ءايات. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثٌ قَوْلُهُ:" هَؤُلَاءِ لِعَبْدِي" أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَلَمْ يَقُلْ: هَاتَانِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ" أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" آيَةٌ. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ مَالِكٌ:" أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" آيَةٌ، ثُمَّ الْآيَةُ السَّابِعَةُ إِلَى آخِرِهَا. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ الَّتِي قَسَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُبَيٍّ:" كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ" قَالَ: فَقَرَأْتُ" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْهَا، وَكَذَا عَدَّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ عَدُّوا" أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ" آيَةً، وَكَذَا رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْآيَةُ السَّادِسَةُ" أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ". وَأَمَّا أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا فِيهَا" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" وَلَمْ يَعْدُّوا" أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ". فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهَا ثَبَتَتْ فِي الْمُصْحَفِ وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ بِخَطِّهِ وَنُقِلَتْ، كَمَا نُقِلَتْ فِي النَّمْلِ، وَذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ وقلنا: مَا ذَكَرْتُمُوهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لِكَوْنِهَا قُرْآنًا، أَوْ لِكَوْنِهَا فَاصِلَةً بَيْنَ السُّوَرِ
الصفحة 94