كتاب المستدرك للحاكم - دار المعرفة (اسم الجزء: 1)

المجلد الأول
مُقَدِّمَةُ الْمُصَنِّفِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ نَسْتَعِينُ
وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَاِبهِ وَسَلَّمَ.
أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ إِمْلاَءً فِي يَوْمِ الإِثْنَيْنِ السَّابِعِ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ وَثَلاَثِمِائَةٍ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْقَهَّارِ ، الصَّمَدِ الْجَبَّارِ ، الْعَالِمِ بِالأَسْرَارِ ، الَّذِي اصْطَفَى سَيِّدَ الْبَشَرِ مُحَمَّدَ بْنَ عْبِد اللهِ بِنُبَوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ ، وَحَذَّرَ جَمِيعَ خَلْقِهِ مُخَالَفتَهُ ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الْآيَةَ ، وَصَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ ،
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْعَمَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِاصْطِفَائِهِ بِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ أَخْيَارِ خَلْقِهِ فِي عَصْرِهِ ، وُهُمُ الصِّحَابِةُ النُّجَبَاءُ ، الْبَرَرَةُ الأَتْقِيَاءُ ، لَزِمُوهُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، حَتَّى حَفِظُوا عَنْهُ مَا شَرَّعَ لاَمَّتِهِ بَأَمْرِ اللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ، ثُمَّ نَقَلُوهُ إِلَى أَتْبَاعِهِمْ ، ثُمَّ كَذَلِكَ عَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ إِلَى عَصْرِنَا هَذَا ، وَهُوَ هَذِهِ الأَسَانِيدُ الْمَنْقُولَةُ إِلَيْنَا بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ ، وَهِيَ كَرَامَةٌ مِنَ اللهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَصَّهُمْ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأُمَمِ ، ثُمَّ قَيَّضَ اللَّهُ لِكُلِّ عَصْرٍ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الدِّينِ ، وَأَئِمَّةِ الْمُسِلِمِينَ ، يُزَكُّونَ رُوَاةَ الأَخْبَارِ وَنَقَلَةَ الْآثَارِ لِيَذُبُّوا بِهِ الْكَذِبَ عَنْ وَحْيِ المْلَكِ ِالْجَبَّارِ ، فَمِنْ هَؤُلاَءِ الأَئِمَّةِ :
أَبُو عَبْدِ اللِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، صَنَّفَا فِي صَحِيحِ الأَخْبَارِ كِتَابَيْنِ مُهَذَّبَيْنِ انْتَشَرَ ذِكْرُهُمَا فِي الأَقْطَارِ ، وَلَمْ يَحْكُمَا وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنَ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَا أَخْرَجَهُ ، وَقَدْ نَبَغَ فِي عَصْرِنَا هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَّ الْمُبْتَدِعَةِ يَشْمَتُونَ بِرُوَاةِ الْآثَارِ ، بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَصِحُّ عِنْدَكُمْ مِنَ الْحَدِيثَ لاَ يَبْلُغُ عَشْرَةَ َآلاَفِ حَدِيثٍ ، وَهَذِهِ الأَسَاَنيِدُ الْمَجْمُوعَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى أَلْفِ جُزْءٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ كُلُّهَا سَقِيمَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ.
وَقَدْ سَأَلَنَيِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ أَجْمَعَ كِتَابًا يَشْتَمِلُ عَلَى الأَحاَديِثِ الْمَرْوِيَّةِ بِأَسَانِيدَ يَحْتَجُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمِثْلِهَا ، إِذْ لاَ سَبِيلَ إِلَى إِخْرَاجِ مَا لاَ عِلَّةَ لَهُ ، فَإِنَّهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَمْ يَدَّعِيَا ذَلِكَ لاِنُفِسِهِمَا.

الصفحة 2