كتاب المستدرك للحاكم - دار المعرفة (اسم الجزء: 1)
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ لَبِيدٍ : يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ وَقَدْ أُثْبِتَ فِي الْكِتَابِ وَوَعَتْهُ الْقُلُوبُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كُنْتُ لاَحْسَبُكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ ذَكَرَ ضَلاَلَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ , قَالَ : فَلَقِيتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، فَقَالَ : صَدَقَ عَوْفٌ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَوَّلِ ذَلِكَ يُرْفَعُ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : الْخُشُوعُ حَتَّى لاَ تَرَى خَاشِعًا .
هَذَا صَحِيحٌ وَقَدِ احْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ ، وَالشَّاهِدُ لِذَلِكَ فِيهِ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ فَقَدْ سَمِعَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ الْحَدِيثَ مِنْهُمَا جَمِيعًا ، وَمِنْ ثَالِثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ أَبُو الدَّرْدَاءِ.
338- حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقَارِئُ ، وَأَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ قَالَ : فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ ، فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ ، إِنِّي كُنْتُ لاَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، هَذَا التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا يُغْنِي عَنْهُمْ ؟ . قَالَ جُبَيْرٌ : فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ ، قَالَ : صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لاَحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَلاَ تَرَى فِيهِ رَجُلاً خَاشِعًا.
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَصْرِيِّينَ .
وَفِيهِ شَاهِدٌ رَابِعٌ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَهُوَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، وَلَعَلَّ مُتَوَهِّمًا أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ رَوَاهُ مَرَّةً عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، وَمَرَّةً عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَيَصِيرُ بِهِ الْحَدِيثُ مُطَوَّلاً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ رُوَاةَ الإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا ثِقَاتٌ وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ مِنْ أَكَابِرِ تَابِعِيِّ الشَّامِ ، فَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْهُ الإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الصَّحَابِيَّيْنِ جَمِيعًا ، وَالدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي ذُكِرَ مُرَاجَعَتُهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثَيْنِ.
الصفحة 99