كتاب شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

28 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَّ عَاصِمَ بْنَ الْمُنْذِرِ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: كُنَّا فِي بُسْتَانٍ لَنَا أَوْ بُسْتَانٍ لِعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ , فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ صَلَاةُ الظُّهْرِ , فَقَامَ إِلَى بِئْرِ الْبُسْتَانِ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ، فَقُلْتُ: أَتَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَهَذَا فِيهِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ»

29 -. وَكَمَا حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ , غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَوْقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. فَقَالَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ هَذَا الْمِقْدَارَ , لَمْ يَضُرَّهُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ , إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا , فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِأَهْلِ الْمَقَالَةِ الَّتِي صَحَّحْنَاهَا أَنَّ هَاتَيْنِ الْقُلَّتَيْنِ لَمْ يُبَيَّنْ لَنَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَا مِقْدَارُهُمَا. فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُهُمَا قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ كَمَا ذَكَرْتُمْ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَا قُلَّتَيْنِ أُرِيدَ بِهَا قُلَّتَا الرَّجُلِ , وَهِيَ قَامَتُهُ , فَأُرِيدَ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَيْ قَامَتَيْنِ، لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا لِكَثْرَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ فِي مَعْنَى الْأَنْهَارِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْخَبَرَ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ , وَالْقِلَالُ هِيَ قِلَالُ الْحِجَازِ الْمَعْرُوفَةُ. قِيلَ لَكُمْ: فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا ذَكَرْتُمْ , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ لَا يَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ , وَإِنْ غَيَّرَتْ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ , لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , فَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ.

30 - فَإِنْ قُلْتُمْ: فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِ , فَذَكَرْتُمْ مَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ , عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ , إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ» . قِيلَ لَكُمْ: هَذَا مُنْقَطِعٌ , وَأَنْتُمْ لَا تُثْبِتُونَ الْمُنْقَطِعَ وَلَا تَحْتَجُّونَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ جَعَلْتُمْ قَوْلَهُ فِي الْقُلَّتَيْنِ عَلَى خَاصٍّ مِنَ الْقِلَالِ، جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ عَلَى خَاصٍّ مِنَ الْمِيَاهِ , فَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى مَا يُوَافِقُ مَعَانِيَ الْآثَارِ الْأُوَلِ وَلَا يُخَالِفُهَا. فَإِذَا كَانَتِ الْآثَارُ الْأُوَلُ الَّتِي قَدْ جَاءَتْ فِي الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَفِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرِّ فِيهِ عَامًّا , لَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَهُ , وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ مَاءٍ لَا يَجْرِي؛ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ هُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي يَجْرِي وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إِلَى مِقْدَارِ الْمَاءِ كَمَا لَمْ يُنْظَرْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إِلَى مِقْدَارِهِ , حَتَّى لَا يَتَضَادَّ شَيْءٌ مِنَ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي صَحَّحْنَا عَلَيْهِ مَعَانِيَ هَذِهِ الْآثَارِ , هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللهُ، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُمْ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُمْ.

الصفحة 16